في كانون الأول 2000 وبعد قرار إسرائيل الأحادي لتعليق المفاوضات مع الفلسطينيين، حاول الرئيس الأميركي كلينتون ( الذي كان في الأشهر الأخيرة لولايته) إعادة دعم المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية عن طريق وضع سلسلة من المقترحات التي سيتم ضمنها تقرير مسالة الحقوق الفلسطينية. وقد تم إملاء هذه المقترحات من قبل الرئيس كلينتون خلال اجتماع في البيت الأبيض حضره ممثلون فلسطينيون وإسرائيليون.
وجاءت مقترحات الرئيس كلينتون بعد 18 شهراً من الحد النهائي الذي كان من المفروض أن تكون إسرائيل قد أنهت فيه احتلالها العسكري وبعد ثلاثة أشهر من بدء الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال. هذه المقترحات التي عرضت شفوياً خلال اجتماع ثلاثي، بنيت على أساس مفاوضات سابقة مع إسرائيل، ولكنها كانت اقل بكثير من المقترحات القانونية الدولية لإنهاء إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية والاعتراف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين.
ما هي بنود مقترحات كلينتون؟
ركزت مقترحات كلينتون على عديد من قضايا الوضع النهائي ولكن ليس جميعها: المستوطنات واللاجئون والقدس والحدود والأمن.
مقترحات كلينتون فيما يتعلق بالحدود
بناء على ما سمعته، اعتقد أن الحل يجب أن يكون في أواسط التسعينات بالمائة، بين 94-96% من أراضي الضفة الغربية للدولة الفلسطينية والأراضي التي ضمتها إسرائيل يجب أن يتم التعويض عنها بتبادل للأراضي بنسبة 1-3% بالإضافة إلى ترتيبات إقليمية مثل ممر امن دائم. ويجب على الطرفين التفكير في تبادل أراضي مستأجرة لتحقيق احتياجات كل طرف. وهناك طرق مبدعة للقيام بذلك لمعالجة الاحتياجات والمخاوف الإسرائيلية والفلسطينية. ويجب على الفريقين وضع خارطة مطابقة للمقاييس الآتية: 80% من المستوطنين في كتل استيطانية، التواصل، تقليص الأراضي المضمونة إلى الحد الأدنى، وتقليص عدد الفلسطينيين المتضررين إلى الحد الأدنى.
تعليق
لم يحدد الاقتراح المساحة الكلية للضفة الغربية، ولذا فان الإشارات إلى نسب مئوية تعتبر ضبابية. ومع أن المجتمع الدولي كان دائما يعترف بالقدس الشرقية كأرض محتلة، ترفض إسرائيل اعتبارها ارض محتلة. ولذا أصرت إسرائيل (ولم تعارضها الولايات المتحدة) على ان القدس الشرقية وأجزاء أخرى من الضفة الغربية ليست جزءاً من المساحة الكلية التي ستحسب فيها النسب المئوية. مقترحات كلينتون غير واضحة: فهل الدولة الفلسطينية ستتكون من 94-96% من الضفة الغربية كلها بما في ذلك القدس الشرقية أم هل ستتكون من الضفة الغربية باستثناء القدس حسب التعريف الإسرائيلي وهو رقم رما يصل الى 7,5% اقل من المساحة الحقيقية للضفة الغربية المحتلة؟
اقتراح الرئيس كلينتون بان يتم ضم 4-6% من الضفة الغربية المحتلة الى إسرائيل يكافئ إسرائيل عملياً على استيطانها غير المشروع. فحسب القانون الدولي، لا تملك إسرائيل أي مطالبة قانونيه بأي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولكن منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 واصلت إسرائيل سياسة استيطان الأراضي الفلسطينية المحتلة في محاولة لخلق وقائع على الأرض. ويدين المجتمع الدولي بشكل منتظم استيطان إسرائيل للمناطق الفلسطينية المحتلة. ومع ذلك وبدلاً من معاقبة إسرائيل على خروقاتها للقانون الدولي، فان مقترحات كلينتون تعاقب عملياً الفلسطينيين بارغلمهم على التخلي عن الأراضي التي استوطنتها إسرائيل بشكل غير قانوني. وبالإضافة الى ذلك فان المساحة المبنية في جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية (باستثناء القدس الشرقية المحتلة) تمثل حاليا نحو 2% من الضفة الغربية المحتلة. وبذا فان ضم 4-6% من الضفة الغربية المحتلة سيكون اكبر مرتين او ثلاث مرات من المساحة الكلية المبنية في المستوطنات.
كما ان إسكان 80% من المستوطنين الإسرائيليين يعطي الشرعية لما هو غير شرعي حسب القانون الدولي. ومنذ بدء عملية اوسلو كانت إسرائيل تستخدم حوافز مالية بهدف مضاعفة عدد المستوطنين المقيمين في المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبدلاً من تقديم حوافز للإسرائيليين للخروج من المستوطنات, يسعى اقتراح كلينتون الى شرعنة وجودهم. وزيادة على ذلك فانه من اجل إسكان 80% من المستوطنين الإسرائيليين، سيكون من الضروري ضم كتل استيطانية لإسرائيل. وتقع هذه الكتل في مناطق زراعية فلسطينية عالية الإنتاج وفوق مصادر مياه ثمينة. وسيحرم ضم هذه المناطق لإسرائيل الفلسطينيين من المصادر المائية والزراعية الفلسطينية.
كما اقترح الرئيس كلينتون تبادل أراضي بنسبة 1-3% بحيث تعوض إسرائيل الفلسطينيين بأراض اقل في مقابل الأراضي التي ستضمها ولم يصر كلينتون على ان أي أراض يتم ضمها يجب التعويض عنها بأراض بنفس المساحة والقيمة. والأراضي التي تحدثت عنها إسرائيل في مفاوضات سابقة تشمل أراضي صحراوية ومجموعة أراضي مجاورة لمكب للنفايات السامة.
مقترحات كلينتون فيما يتعلق بالقدس
ان المبدأ العام هو ان المناطق العربية فلسطينية واليهودية إسرائيلية. وهذا سينطبق أيضا على البلدة القديمة. إنني أحث الجانبين على العمل لإعداد خرائط لإيجاد حد أعلى من التواصل لكلا الجانبين.
تعليق
ركزت صياغة الرئيس كلينتون فقط على القدس الشرقية المحتلة وليس على القدس جميعها كما تحددها اتفاقيات اوسلو. والمبدأ الذي يبدو في الظاهر عادلاً والذي يقول أن " ما هو عربي سيكون فلسطينياً وما هو يهودي إسرائيلياً" يشرعن في الواقع استيطان إسرائيل للقدس الشرقية وهو الاستيطان الذي تمت إدانته بشكل واسع من قبل الأمم المتحدة. ويعيش نحو نصف المستوطنين الإسرائيليين البالغ عددهم نحو400,000 بشكل غير قانوني في القدس الشرقية وتحيط مستوطنات القدس الشرقية بالمناطق الفلسطينية المأهولة بالقدس. وهذا سيحول المناطق الفلسطينية إلى جزر محاطة بإسرائيل بدون تواصل مع بقية الدولة الفلسطينية. والواقع أن مقترحات كلينتون بخصوص القدس توسع حدود إسرائيل وتقلص من عدد السكان الفلسطينيين.
مقترحات كلينتون بشأن اللاجئين
يجب ان يكون الحل متوافقاً مع حل الدولتين الذي وافق عليه الجانبان كطريق لانهاء النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي: دولة فلسطين كوطن للشعب الفلسطيني ودولة اسرائيل كوطن للشعب اليهودي.
وحسب حل الدولتين، يجب ان يكون المبدأ الذي نهتدي به هو ان الدولة الفلسطينية ستكون نقطة التركيز للفلسطينيين الذين يختارون العودة الى المنطقة بدون استبعاد ان اسرائيل سوف تقبل بعض هؤلاء اللاجئين.
واعتقد أننا بحاجة إلى تبني صيغة بشأن حق ا لعودة توضح أنه لا يوجد حق معين للعودة إلى إسرائيل نفسها ولكن هذا لا ينفي طموح الشعب الفلسطيني للعودة إلى المنطقة.
تعليق
يشكل اقتراح الرئيس كلينتون رفضاً مهذبا لحق العودة للفلسطينيين. لقد كان حق العودة دائماً مقدساً في القانون الدولي وفي الممارسة القانونية الدولية. فمثلاً، حق عودة اللاجئين البوسنيين إلى ديارهم كان موضع تقديس في اتفاقيات ديتون حيث ان المجتمع الدولي لم يرغب في مكافأة محاولات صربيا للتطهير العرقي للبوسنيين من وطنهم. من المهم أن نتذكر أن الأسباب الوحيدة لعدم قدرة الفلسطينيين على العودة إلى ديارهم هو انهم ليسوا يهوداً. فحق العودة في إسرائيل يسمح لعدد غير محدود من المهاجرين اليهود بالقدوم إلى إسرائيل ومع ذلك فإن اللاجئين الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين الراغبين في العودة لا يستطيعون ذلك. وبرفض حق العودة فإن اقتراح كلينتون يواصل التمسك بالتمييز على أساس الدين ولا يستطيع حل مسألة الحقوق المشروعة للاجئين الفلسطينيين.
مقترحات كلينتون بشأن الأمن
الحل يكمن في حضور دولي لا يمكن أن يتم سحبه إلا بموافقة متبادلة. وسيعمل هذا الحضور أيضاً على مراقبة تطبيق الاتفاقيات بين الجانبين. وأفضل أن يتم تنفيذ الانسحاب على مدى 36 شهرا بينما يتم تدريجياً إدخال قوات دولية إلى المنطقة.
وفي نهاية هذه الفترة سيبقى تواجد إسرائيل صغير في مواقع ثابتة في غور الاردن تحت سلطة القوة الدولية لمدة 36 شهراً اخر. ويمكن أن يتم تقليص هذه الفترة في حالة حدوث تطورات اقليمية ايجابية تقلل التهديدات لاسرائيل.
تعليق
لا يوجد سبب لطلب اسرائيل مدة ثلاث سنوات للانسحاب من الأراضي الفلسطينية. فقد انسحبت إسرائيل من القطاع الذي كانت تحتله في لبنان في غضون ايام قليلة.
من غير الواضح ما إذا كان الاقتراح يشير الى الجنود والمستوطنين وإذا كان الاقتراح يشير ايضا الى المستوطنين، نظراً لان إسرائيل أعادت توطين أكثر من مليون مهاجر روسي في سنوات قليلة، فمن غير الواضح لماذا ستحتاج إسرائيل الى ثلاث سنوات لإخلاء نحو 400,000 مستوطن.
كما انه من غير الواضح لماذا تطلب إسرائيل وجود قوة ثابتة في غور الأردن او حقوق إعادة انتشار طارئ، فمع وجود القوات الدولية في هذه المناطق لن يكون الوجود الإسرائيلي ضرورياً.
ملخص
كما هو الحال بالنسبة للاقتراحات الأخرى لحل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، فإن مقترحات كلينتون تتحرف عن القانون الدولي لإيقاع الأذى بالفلسطينيين بينما تشرعن نشاطات الاستيطان غير الشرعية وخروقات حقوق الإنسان. وإذا نظرنا اليها جميعاً فإن مقترحات كلينتون لا تلبي متطلبات السلام الدائم. والي جانب ذلك فإن هذه المقترحات كانت تسعى الى:
تقسيم القدس الفلسطينية إلى عدد من الجزر غير المتواصلة والمنفصلة عن بقية فلسطين و
إجبار الفلسطينيين على التخلي عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
هل رفض الفلسطينيون مقترحات كلينتون؟
لا. بسبب الطبيعة الضبابية للمقترحات وفشلها في ان ترتفع الى المقاييس القانونية الدولية، بعث الفريق الفلسطيني المفاوض رسالة الى الرئيس كلينتون يقبل فيها المقترحات مع بعض التحفظات.
ماذا كان موقف إسرائيل تجاه مقترحات كلينتون؟
إسرائيل أيضاً قبلت المقترحات مع تحفظات. ونتيجة لموافقة الطرفين للمقترحات اجتمع الطرفان في طابا بمصر في نهاية كانون الثاني فيما أصبح الجولة الأخيرة للمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية.