1. لماذا رفض الفلسطينيون مقترحات كامب ديفيد للسلام؟
من أجل التوصّل إلى سلام حقيقي ودائم بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي، يجب أن يكون هناك دولتين مستقلّتين تتمتّعان بإمكانية الاستمرار والتطوّر تعيشان كجارتين متساويتين. مقترحات إسرائيل في كامب ديفيد، والتي لم تقدّم أبداً كتابة، تحرم الدولة الفلسطينية من قابلية الحياة والاستقلال لأنها تشطر الأراضي الفلسطينية إلى أربعة كانتونات منفصلة ومحاطة كلياً ومسيطر عليها من قبل إسرائيل. كما تحرم هذه المقترحات الفلسطينيين من السيطرة على حدودهم الخاصّة ومجالهم الجوّي وموارد المياه الخاصّة بهم، بينما تُضفي الشرعية على المستعمرات الإسرائيلية غير الشرعية المقامة على الأراضي الفلسطينية وتفسح المجال لها للتوسّع. لقد أعطت هذه المقترحات اسماً جديداً للاحتلال الإسرائيلي ولم تضع نهاية للاحتلال العسكري.
2. ألم تُعيد مقترحات إسرائيل للفلسطينيين كافة الأراضي التي احتلّت في عام 1967؟
لا. سعت إسرائيل إلى ضم نحو 9% من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعرضت في المقابل 1% فقط من أراضي إسرائيل الخاصّة. إضافة إلى ذلك، أرادت إسرائيل السيطرة على 10% إضافية من الأراضي الفلسطينية المحتلة على شكل "استئجار طويل الأمد". لكن القضية لا تتعلّق بالنّسب، بل تتعلّق بإمكانية الاستمرار والتطوّر (viability) والاستقلال. في السجن على سبيل المثال، 95% من مجمّع السجن هو ظاهرياً للسجناء – الزنازين، والمطاعم، وصالة الجمنازيوم والمرافق الصحية – لكن نسبة 5% الباقية هي كل ما يحتاجه حرّاس السجن للحفاظ على سيطرتهم على السجناء. بشكل مماثل، مع أن مقترحات كامب ديفيد تعترف بأنها تجعل زنازين السجن الفلسطيني أكبر حجماً، إلاّ أنها لا تُنهي السيطرة الإسرائيلية على السكّان الفلسطينيين.
3. هل قبل الفلسطينيون بفكرة تبادل الأراضي؟
كان الفلسطينيون (وما زالوا) مستعدّين للقبول بأية فكرة تتلائم مع سلام عادل يرتكز على القانون الدولي والمساواة بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. لقد درس الفلسطينيون فكرة تبادل الأراضي، إلاّ أنهم اقترحوا أن يرتكز هذا التبادل على نسبة واحد إلى واحد، بأرض ذات قيمة مساوية، في مناطق مجاورة للحدود مع فلسطين، وفي ذات الجوار كما هو حال الأراضي التي ستضمّها إسرائيل. إلاّ أن ما اقترحته إسرائيل وهو نسبة تسعة إلى واحد (لصالح إسرائيل) كان غير عادل على الإطلاق بحيث يُشكّك على نحو خطير بالتزام إسرائيل بتسوية عادلة بشأن الأراضي.
4. كيف تصوّرت مقترحات إسرائيل أراضي الدولة الفلسطينية؟
شطرت هذه المقترحات فلسطين إلى أربعة كانتونات منفصلة تُحيط بها إسرائيل: شمال الضفة الغربية، وسط الضفة الغربية، جنوب الضفة الغربية وغزة. السفر من أي منطقة من هذه المناطق إلى الأخرى يتطلب عبور الأراضي الإسرائيلية وبالتالي إخضاع حركة الفلسطينيين داخل بلدهم للسيطرة الإسرائيلية. ولن تنطبق هذه القيود على حركة الناس فقط، بل ستشمل حركة البضائع، وفعلياً ستخضع الاقتصاد الفلسطيني للسيطرة الإسرائيلية. أخيرا ستكون مقترحات كامب ديفيد قد أعطت إسرائيل السيطرة على الحدود الفلسطينية مما يسمح لإسرائيل بالسيطرة ليس فقط على حركة الناس والبضائع الداخلية، ولكن الحركة عبر الحدود الدولية كذلك. بذلك، ستكون هذه الدولة الفلسطينية تتمتع بسيادة وإمكانية للاستمرار والتطوّر اقل من البندوستونات التي أوجدتها الحكومة العنصرية في جنوب أفريقيا.
5. كيف عالجت مقترحات إسرائيل مسألة القدس الشرقية الفلسطينية ؟
طالبت مقترحات كامب ديفيد الفلسطينيين بالتنازل عن أية حقوق لهم في القسم المحتل من القدس. كانت المقترحات ستفرض الاعتراف بضم لكافة أجزاء القدس الشرقية العربية لدولة إسرائيل. دلّت المحادثات التي جرت بعد كامب ديفيد على أن إسرائيل كان لديها الاستعداد للسماح بسيادة فلسطينية على أحياء فلسطينية معزولة في قلب القدس الشرقية. لكن ستبقى هذه الأحياء محاطة بمستعمرات إسرائيلية غير شرعية، ومفصولة ليس فقط عن بعضها وإنما كذلك عن بقية أجزاء الدولة الفلسطينية. فهل يحيى القلب في معزل عن الجسد؟
6. لماذا لم يقدم الفلسطينيون مقترحات حل دائم شاملة من عندهم رداً على مقترحات باراك؟
يتجسد الحل الشامل للصراع في قراري الأمم المتحدة 242 و338، كما قبل بذلك الجانبان في قمة مدريد عام 1991، وفيما بعد في اتفاقيات أوسلو لعام 1993. هدف المفاوضات هو تطبيق هذين القرارين (اللذين يدعوان إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلتها إسرائيل بالقوة في عام 1967) والتوصّل إلى اتفاق حول قضايا الوضع الدائم. في العديد من المناسبات منذ كامب ديفيد، خصوصاً في محادثات طابا، قدم الفريق التفاوضي الفلسطيني مفهومه لحل قضايا الوضع الدائم الأساسية. من المهم أن نتذكّر دائما بأن إسرائيل والفلسطينيين في وضعين مختلفين. تسعى إسرائيل للحصول على تنازلات كبيرة من الفلسطينيين: فهي تريد ضم الأراضي الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية، وأن تحصل على حقوق في موارد المياه الفلسطينية في الضفة الغربية، وأن تحافظ على مواقعها العسكرية في الأرضي الفلسطينية، وأن تحرم اللاجئين الفلسطينيين من حقهم في العودة. لم تقدم إسرائيل تنازلا واحدا عن أراضى أو حقوق خاصة بها. الفلسطينيون من جهتهم يسعون إلى إقامة دولة تتمتّع بإمكانية الاستمرار والتطوّر وذات سيادة على أراضيهم، وانسحاب القوات العسكرية الإسرائيلية وإخلاء المستعمرات (التي يعتبرها المجتمع الدولي بأسره مستعمرات غير شرعية)، وضمان حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى بيوتهم التي أُجبروا على النزوح عنها في عام 1948. مع أن المفاوضين الفلسطينيين كانوا راغبين في تفهّم الحاجات الإسرائيلية في هذا الإطار، وخصوصاً في ما يتعلق بالأمن واللاجئين، فإن الأمر متروك لإسرائيل لتعريف هذه الحاجات واقتراح افضل الوسائل الممكنة لتلبيتها.
7. لماذا فشلت عملية السلام في الوقت الذي كانت تحقق فيه تقدما حقيقيا نحو اتفاق دائم؟
دخل الفلسطينيون في عملية السلام وفقا للاعتبارات التالية :
أنها ستدخل تحسينات ملموسة على حياتهم في المرحلة الانتقالية.
أن المرحلة الانتقالية ستكون قصيرة نسبيا ، أي فترة خمس سنوات .
أن اتفاقاً دائماً سيعمل على تطبيق قراراي الأمم المتحدة 242 و338.
لكن عملية السلام لم تؤدّي إلى أي من هذه الأمور. بدلاً من ذلك عانى الفلسطينيون من المزيد من القيود على حركتهم وحصل هناك انخفاض خطير في وضعهم الاقتصادي. لقد توسعت المستعمرات الإسرائيلية بوتيرة غير مسبوقة، كما أصبحت الضفة الغربية وقطاع غزة اكثر تجزيئاً مع بناء الطرق "الالتفافية" للمستوطنين ونشر نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية. كان هناك عدم إيفاء بالمواعيد النهائية بصورة متكررة عند تطبيق الاتفاقيات. باختصار لم يلحظ الفلسطينيون أي تحسّن على مجرى حياتهم اليومية.
الذي هدّد بصورة كبيرة الدعم الفلسطيني لعملية السلام هي الطريقة التي قدمت فيها إسرائيل مقترحاتها. فقبل الدخول في المفاوضات الأولى حول قضايا الوضع الدائم، هدّد رئيس الوزراء باراك علناً وباستمرار الفلسطينيين بأن (عرضه) سيكون عرض إسرائيل الأفضل والنهائي، وإذا لم يتم قبوله فستفكّر إسرائيل جِدّيا بعمل "فصل أحادى" (وهو تعبير آخر لفرض حل بدلاً من التفاوض بشأنه).
لقد شعر الفلسطينيون بأنهم قد خُدِعوا من قبل إسرائيل التي ألزمت نفسها في بداية عملية أوسلو بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية وفقاً لقراري الأمم المتحدة 242 و338.
8. ألا يثبت العنف الذي تفجر بعد كامب ديفيد بأن الفلسطينيين لا يريدون حقيقة العيش بسلام مع إسرائيل؟
لقد اعترف الفلسطينيون بحق إسرائيل بالوجود في عام 1988، وكرّروا هذا الاعتراف في العديد من المناسبات بما في ذلك في مدريد عام 1991 وفي اتفاقيات أوسلو التي وقعت في أيلول 1993. ومع ذلك، لم تعترف إسرائيل بعد بصورة واضحة ورسمية بحق فلسطين بالوجود. لقد أنتظر الشعب الفلسطيني بصبر منذ مؤتمر مدريد في عام 1991 لنيل حريته واستقلاله على الرّغم من سياسة إسرائيل المستمرة في إيجاد الحقائق على الأرض عن طريق بناء المستعمرات في الأراضي المحتلة (تزايدت أعداد الوحدات السكنية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة – باستثناء القدس الشرقية - بنسبة 52% منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، كما تزايدت أعداد المستوطنين بأكثر من الضعف بما في ذلك في القدس الشرقية). يُريد الفلسطينيون العيش بسلام مع إسرائيل، لكن يجب أن يكون السلام مع إسرائيل سلاماً عادلاً وليس سلاماً ظالماً يفرضه الطرف الأقوى على الطرف الأضعف.
9. ألا يثبت فشل قمة كامب ديفيد بأن الفلسطينيين ليسوا مستعدين للقبول بحل وسط؟
لقد قبل الفلسطينيون بالحل الوسط. ففي اتفاقيات أوسلو، اعترف االفلسطينيون بالسيادة الإسرائيلية على 78% من فلسطين التاريخية (23% اكثر مما تم منحه لإسرائيل بموجب خطة الأمم المتحدة للتقسيم لعام 1947) على افتراض أن الفلسطينيين سيستطيعون ممارسة السيادة على نسبة 22% المتبقية. لقد قبلت الغالبية العظمى من الفلسطينيين بهذا الحل الوسط.
لكن هذا الحل البالغ السخاء تم تجاهله في كامب ديفيد، وطُلب من الفلسطينيين "تقديم حل وسط بشأن الحل الوسط" وتقديم المزيد من التنازلات لمصلحة إسرائيل. مع أن بإمكان الفلسطينيين الاستمرار في تقديم الحلول الوسط، لا يُتوقّع من أي شعب تقديم حلول وسط بشأن حقوقه الأساسية أو إمكانية الاستمرار والتطوّر لدولته.
10. هل تخلي الفلسطينيون عن الحل المبني على أساس دولتين، وهل يُصرّون الآن على استرجاع كل فلسطين التاريخية؟
لا شك بأن الوضع الحالي أدى إلى تصلب المواقف في كلا الجانبين، وإلى مطالبة المتطرفين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة بكل فلسطين التاريخية. مع ذلك، لا يوجد ما يثبت بأن السلطة الفلسطينية أو غالبية الفلسطينيين تخلت عن الحل المبني على أساس دولتين. لكن هذا الحل عُرضة لتهديد خطير بسبب البناء المستمر للمستعمرات الإسرائيلية والطرق الالتفافية التي تهدف إلى دمج الأراضي الفلسطينية المحتلة بإسرائيل.
من دون وقف لأعمال البناء هذه، من الممكن أن يكون من المستحيل تطبيق الحل المبني على أساس دولتين. وهذا جعل عدداً من الأكاديميين والمفكرين الفلسطينيين يجادلون بأن إسرائيل لن تسمح أبداً للفلسطينيين بأن تكون لهم دولة قابلة للاستمرار والتطوّر، وعلى الفلسطينيين عِوضاً عن ذلك أن يُركّزوا جهودهم على الحصول على حقوق متساوية كمواطنين إسرائيليين؟
11. أليس من غير المعقول أن يُطالب الفلسطينيون بالحق المطلق لكافة اللاجئين بالعودة إلى إسرائيل؟
لم يتم أبدا بحث مسألة اللاجئين الفلسطينيين بجدية في كامب ديفيد لأن رئيس الوزراء باراك أعلن بأن إسرائيل لا تتحمل أية مسؤولية عن مشكلة اللاجئين أو إيجاد حل لها. من الواضح أنه لن يكون هناك حل شامل ونهائي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي من دون حل إحدى عناصره الأساسية: مأساة اللاجئين الفلسطينيين. هناك حق معترف به جيدا في القانون الدولي بأن غير المقاتلين الذين ينزحون أثناء الصراع لهم الحق في العودة بعد أن ينتهي الصراع. لكن اعتراف إسرائيل بحق الفلسطينيين بالعودة لا يعني أن كافة اللاجئين سيختارون العودة إلى إسرائيل. إضافة إلى هذا الاعتراف، يجب أن تكون هناك أيضا حرية للاختيار. من الممكن أن يختار كثير من اللاجئين:
إعادة التوطــين في دول ثالثة؛
إعادة التوطين في فلسطين الحديثة الاستقلال (مع أنهم في الأصل من فلسطين التي أصبحت إسرائيل)؛
أو تصحيح وضعهم القانوني في الدولة المضيفة التي يقيمون فيها الآن.
إضافة إلى ذلك، من الممكن تطبيق حق العودة على مراحل من أجل معالجة مخاوف إسرائيل الديمغرافية