يشكل البناء والتوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة التهديد الرئيسي والأكبر أمام قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات تواصل جغرافي، كما يشكل عائقاً كبيراً أمام قيام سلام عادل وشامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين. تجميد النشاط الاستيطاني الاسرائيلي في المرحلة الإنتقالية يجب أن يكون شامل وأن يضع حد لأي نشاط استيطاني مستقبلي لضمان عدم حدوث المزيد من الضرر للمصالح الفلسطينية، وبالتالي لحل الدولتين.
1. الأسباب التي تدعو إلى تجميد الاستيطان
إضافة إلى وضع حد لنشاط غير قانوني، هناك حاجة إلى تجميد الاستيطان للأسباب التالية:
لا يتوافق النشاط الاستيطاني مع معادلة "الأرض مقابل السلام" ويمحو ثقة الفلسطينيين في رغبة الإسرائيليين في السلام وفي عملية السلام، مما يجعل من الصعب على الطرفين استئناف مفاوضات السلام.
كما بينت جميع الجهود لإحراز السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين – من مؤتمر مدريد عام 1991 إلى سنوات أوسلو إلى خارطة الطريق عام 2003 – لا يمكن إجراء مفاوضات سلام ذات معنى بين الأطراف المعنية بينما تستمر إسرائيل في بناء المستوطنات وتوسيعها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فمثل هذا النشاط يتعارض مع معادلة "الأرض مقابل السلام" التي يحتوي عليها القراران (242) و (338) الصادران عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة واللذان ترتكز عليهما عملية السلام. وهذان القراران ايضاَ يطالبان إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 مقابل سلام شامل مع جيرانها.
يدمر النشاط الاستيطاني الإسرائيلي نسيج الحياة للشعب الفلسطيني وإمكانية قيام حل على أساس دولتين لأنه يسمح لإسرائيل بالسيطرة على الأراضي الفلسطينية ومصادر المياه فيها، كما يحد من حركة الفلسطينيين وانتقالهم من مكان إلى آخر ويعيق تطورهم الاقتصادي والاجتماعي، ويشل من حركة التجارة الإقليمية والوطنية.
الهدف من المشروع الاستيطاني الإسرائيلي هو إحداث تغيير جذري في وضع الأراضي الفلسطينية المحتلة من الناحيتين الجغرافية والديمغرافية ومنع عودة الفلسطينيين إليها.
لقد قطّع المشروع الاستيطاني الإسرائيلي أوصال الأراضي الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني ومنع الفلسطينيين من الوصول إلى مصادر المياه وإلى أراضيهم وإلى الأسواق التجارية وإلى الخدمات الاجتماعية والتعليمية والطبية. إضافة إلى السيطرة على أكثر من 40% من مساحة الضفة الغربية ومصادرها الطبيعية، أدى المشروع الاستيطاني الإسرائيلي إلى فرض قيود قاسية على حركة الفلسطينيين. كما أشار البنك الدولي: "من الصعب المصالحة ما بين استخدام القيود على الحركة والعبور من أجل أغراض أمنية، واستخدامها من أجل توسيع وحماية النشاط الاستيطاني وحركة المستوطنين والإسرائيليين إلى داخل وخارج الضفة الغربية".
لذا يبقى تجميد الاستيطان هو الحل الوحيد من أجل ضمان عدم حدوث أي أضرار أخرى للاحتياجات والمصالح الفلسطينية والحفاظ على إمكانية الحل القائم على أساس دولتين في فترة ما قبل المفاوضات (أو حتى في غيابها).
يدفع وجود المستوطنات الإسرائيلية والمستوطنين الى العنف وعدم الاستقرار
إضافة إلى مصادرة الأراضي وتدمير المنازل وفرض القيود على الحركة وإجراءات أخرى قاسية تتخذها الحكومة الإسرائيلية والتي تهدف إلى تعزيز الاستيطان الإسرائيلي، يتعرض الفلسطينيون يومياً إلى مضايقات واعتداءات وإذلال من قبل المستوطنين المدججين بالسلاح وكذلك من قبل الجنود الإسرائيليين أنفسهم. يقول تقرير ميتشل فيما يخص العلاقة ما بين المستوطنين والعنف: "من الصعب وضع حد للعنف الإسرائيلي والفلسطيني ما لم تجمد حكومة إسرائيل جميع أنشطتها الاستيطانية. وعلى الحكومة الإسرائيلية أن تأخذ بعين الاعتبار ما إذا كانت المستوطنات التي تسبب احتكاكاً بين الإسرائيليين والفلسطينيين أدوات قيمة من أجل الدخول في مفاوضات مستقبلية أو هي مجرد نقاط استفزازية تمنع البدء في مفاوضات مثمرة".
2. دروس نتعلمها من ترتيبات التجميد الجزئي التي قامت بها إسرائيل سابقاً
خلال سنوات أوسلو، تمّ وضع عدة ترتيبات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تتعلق بالتجميد الجزئي للإستيطان. لكن لم تفشل هذه الترتيبات في وضع حد للنشاط الإستيطاني فقط، بل أدت في الواقع إلى إسراع وتيرة النمو الإستيطاني بشكل لم يسبق له مثيل. على سبيل المثال، ارتفع عدد المستوطنين بين الأعوام 1993 و 2000 بحوالي 40%، بينما ارتفع عدد الوحدات السكنية في الضفة الغربية (باستثناء القدس الشرقية) بنسبة 52%.1 السبب في فشل هذه الترتيبات أنها احتوت على عدة ثغرات تبطل عملياً تأثير وهدف التجميد:
"النمو الطبيعي للمستوطنات" - يشير "النمو الطبيعي" إلى نمو السكان من المستوطنين نتيجة الولادة والهجرة، مع هذا لا يوجد أي شيء "طبيعي" فيما يتعلق بنمو المستوطنات الإسرائيلية. وبسبب الحوافز والإعانات المالية الكثيرة التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية إلى المستوطنين، نجد معدل النمو لدى السكان من المستوطنين الذين يعيشون داخل أراضي الضفة الغربية أكبر من معدل نمو السكان داخل إسرائيل نفسها. إضافة إلى النمو اللامحدود في عدد المستوطنين، تسمح هذه المعادلة في التوسع الإقليمي والتوسع في البنية التحتية من أجل التكيف مع هذا النمو. ولهذا السبب بالتحديد تمّ استثناء "النمو الطبيعي" من خارطة الطريق.
"لا مستوطنات جديدة" – في حين تمّ منع بناء مستوطنات جديدة بشكل رسمي، تسمح هذه المعادلة بالاستمرار في إقامة مستوطنات جديدة على شكل "أحياء" أو "بؤر" استيطانية وكذلك في التوسع الديمغرافي والإقليمي والجغرافي للمستوطنات القائمة. ومن وجهة نظر إسرائيل، هذا صحيح حتى لو لم تكن هذه "الأحياء" أو "البؤر" متاخمة للمستوطنات الأم التي قد تبعد أحيانأ عدة كيلومترات.
"لا بناء خارج خط البناء" – تهدف هذه المعادلة إلى حصر النمو الاستيطاني داخل مساحة محددة حول المستعمرة أو المستعمرات. تسمح هذه المعادلة عملياً بنمو غير محدود لسكان المستعمرات من خلال زيادة كثافتها. إضافة إلى هذا، مع أخذ خط البناء بعين الاعتبار، تعطي هذه المعادلة لإسرائيل الحرية في توسيع الأراضي الإستيطانية عن طريق ضم مساحات من الأراضي غير المحاذية وأراضي فارغة بين المستعمرات داخل خط بناء واحد.
"مصادرة الأراضي من أجل البناء" – هذه المعادلة غير مجدية تماماً كي تبطىء من وتيرة بناء المستوطنات لأن إسرائيل قد صادرت معظم الأراضي من أجل بناء المستعمرات وتوسعها في المستقبل حيث أن هناك 40% منها أرض احتياطية صادرتها إسرائيل من أجل توسيع مستوطناتها. إضافة إلى هذا، لغة المعادلة هذه تسمح فقط باستخدام نوع واحد من المصادرة ألا وهو "التجريد من الملكية" ويستثني جميع الطرق الأخرى التي تستعملها إسرائيل من أجل مصادرة الأراضي الفلسطينية مثل إعلان الأراضي أراضي دولة. كما أنها تسمح لإسرائيل بمصادرة أراضي فلسطينية لأغراض غير البناء كالزراعة وبناء الطرق الالتفافية وبناء الجدار ولأسباب "أمنية" أخرى، وكذلك من أجل تنفيذ اوامر المصادرة.
"لا لعطاءات جديدة أو تصاريح بناء" – تسمح هذه المعادلة لإسرائيل (أو جهات أخرى) أن تتصرف وفق تصاريح اصدرتها سلطات إسرائيلية أخرى بحجة ان هذه النشاطات تقوم بها أطراف خاصة ولهذا لا يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تتحكم بها. في الحقيقة، تحت القوانين الإسرائيلية الإدارية والعقدية، يملك الفرع التنفيذي القوة لتحرير نفسه من الاتفاقات العقدية عندما يعارض إنجازها المصلحة العامة.
"استثناء القدس الشرقية" – استثناء القدس الشرقية (أو أي جزء آخر من الأراضي المحتلة) من تجميد الإستيطان يسمح بنمو استيطاني داخل المنطقة المعفاة. وإضافة إلى إنكار الهدف من التجميد، وهو أن يمنع المزيد من التحيز ووقف إيذاء الشعب الفلسطيني، استثناء القدس الشرقية خاصة يضعف احتمال إقامة دولة فلسطينية من خلال إضعاف إقامة عاصمة لها في القدس الشرقية.
3. عناصر التجميد الشامل للاستيطان
تم التعبير بوضوح عن المتطلبات الأساسية لتجميد الاستيطان في المرحلة الأولى من خارطة الطريق:
"بالتوافق مع تقرير ميتشيل، تُجمّد حكومة إسرائيل كافة النشاطات الاستيطانية (بما فيها النمو الطبيعي للمستوطنات)".
"تقوم حكومة إسرائيل على الفور بتفكيك البؤر الاستيطانية المقامة منذ آذار 2001".
"لا تقوم حكومة إسرائيل بأية أعمال تُقوّض الثقة، بما في ذلك الابعاد، الاعتداء على المدنيين، مصادرة و/أو هدم المنازل والممتلكات الفلسطينية كاجراء عقابي أو لتسهيل البناء الاسرائيلي ...".
تتوافق هذه المتطلبات مع قرارت مجلس الأمن والقانون الدولي التي تحظر اقامة أو توسيع المستوطنات في الأراضي المحتلة.
من أجل الالتزام بخارطة الطريق، يجب تطبيق تجميد الاستيطان على كل الأرض الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، وان يبقى سارياً حتى تطبيق اتفاق الوضع الدائم، وأن يتضمّن العناصر التالية:
انهاء كافة اعمال البناء الاستيطاني وما يتعلق به
ليس من الكافي تجميد بناء الوحدات السكنية فقط. يجب أن يتضمّن التجميد أيضاً وقفاً لبناء المنشآت الاستيطانية التجارية، والصناعية، والزراعية، والأثرية، والسياحية؛ والطرق الالتفافية وغيرها التي تعمل على تعزيز المستوطنات (بما فيها الطرق والأنفاق التي تهدد نسيج الحياة للفلسطينيين)؛ والأسيجة والجدران حول المستوطنات؛ والجدار الفاصل والبنية التحتية التابعة له (بما فيها المعابر، ومراكز تنزيل وتحميل البضائع والبنى التحتية الدائمة الأخرى). يجب أن يتضمن تجميد البناء المشاريع التي يتم بنائها حالياً.
وقف كافة التمويل والحوافز المالية للمستوطنات والمستوطنين
الأمر الذي يوازي في الأهمية وقف البناء هو القضاء على الحوافز المالية للمستوطنات والمستوطنين. تُنفق إسرائيل مئات الملايين من الدولارات في كل سنة للحفاظ على المستوطنات ومنح الحوافز للاسرائيليين للسكن فيها. اختار نحو 77% من المستوطنين (باستثناء المستوطنين في القدس الشرقية) العيش في المستوطنات بسبب الحوافز الاقتصادية التي يحصلون عليها من الحكومة الاسرائيلية ومن مانحين من القطاع الخاص. هنالك آلاف الوحدات السكنية الخالية في المستوطنات. لذلك من الضروري أيضاً وقف التمويل لعدم تشجيع الاسرائيليين على الانتقال إلى تلك الوحدات الخالية.
انهاء كافة مصادرات الأراضي، وهدم المنازل، وتدمير الممتلكات
من غير الممكن تنفيذ النشاطات الاستيطانية من دون قيام إسرائيل بمصادرة آلاف الدونمات من الفلسطينيين في كل سنة بمزاعم مختلفة. تهدم إسرائيل أيضاً آلاف المنازل الفلسطينية سنوياً وتلحق اضرار كبيرة في الممتلكات اثناء توسيع مشاريعها الاستيطانية. لذلك يجب أن يتضمّن التجميد وقف الاستيلاء على الأرض الفلسطينية لتنفيذ النشاط الاستيطاني، والاعلان عن الأرض بأنها "أراضي دولة"، ومصادرة الأرض لغرض النشاط الاستيطاني، واستخدام "ممتلكات الغائب" للنشاط الاستيطاني، وقيام الاسرائيليين بشراء الأرض ضمن "مشاريع خاصّة"، والهدم والتدمير والحاق الأضرار بالممتلكات الفلسطينية.
وقف كافة اعمال التخطيط والتصريح باقامة المستوطنات
يجب أن يتضمّن التجميد الشامل عدم منح التصاريح الحكومية لاقامة مستوطنات جديدة أو توسيع المستوطنات الحالية؛ وتخصيص أرض لأهداف استيطانية؛ وإعداد، ومراجعة، وإقرار، أو المصادقة على أي خطط تطوير للمستوطنات؛ أو اصدار عطاءات وتصاريح بناء.
انهاء هجرة المستوطنين
كما هو حال البناء، فإن وقف هجرة المستوطنين الاسرائيليين إلى الأرض الفلسطينية المحتلة هو عنصر واضح في أي تجميد للاستيطان. سوف يشمل هذا حظر انتقال المزيد من المواطنين الاسرائيليين (أو أولئك الذين يحق لهم الحصول على الجنسية الاسرائيلية) للسكن أو العمل في الأرض الفلسطينية المحتلة، واتخاذ اجراءات مناسبة لتنفيذ هذا الحظر
في كافة الأحوال، فإن "التجميد" لا يعني فقط أن توقف الحكومة الاسرائيلية بعض أعمالها. بل يعني ايضاً أن توقف الآخرين، سواء كانوا هيئات خاصة أو عامة، عن القيام بذات الأعمال.
4. التجميد: آلية المراقبة والتثبّت
إن ضمان تنفيذ إسرائيل لالتزاماتها التي نصّت عليها خارطة الطريق سيتطلب تأسيس آلية فعّالة للمراقبة، والتثبّت وضمان التطبيق السليم لتجميد شامل للاستيطان. فيما يلي بعض النواحي الأساسية لهذه الآلية:
التفويض والمهام: يجب أن يتضمّن التفويض الممنوح لآلية المراقبة والتثبّت:
التحقيق والمراقبة والتثبّت الفعّال من الوضع الحالي للمستوطنات والنشاط الاستيطاني الاسرائيلي؛
التحقيق والمراقبة والتثبّت من كافة نواحي تطبيق التجميد؛
تأسيس معالم وجداول زمنية للتفعيل والتثبّت من الالتزام بالتجميد؛
تقديم تقييمات منتظمة وموضوعية للاجراءات المتخذة للالتزام (أو التي تنتهك) هذه الشروط إلى القيادة السياسية في الجانبين، وأعضاء اللجنة الرباعية، والأطراف الأخرى المعنية/المهتمة.
التوصية باتخاذ مسار عمل ملائم بشأن انتهاكات محددة وفقاً لخارطة الطريق و/أو ارشادات أخرى متفق عليها؛
وحل النزاعات بين الأطراف التي قد تنشأ من التفسيرات المختلفة لشروط التجميد، وتقديم مسارات العمل التي تتم التوصية باتخاذها، الخ.
التكوين والهيكلية: هنالك طرق مختلفة لهيكلة آلية المراقبة والتثبّت للمستوطنات الاسرائيلية. يمكن أن تكون على سبيل المثال متعددة الأطراف (أي بمشاركة اسرائيليين وفلسطينيين وأطراف اخرى)، أو يمكن أن تكون فقط (أو بشكل رئيسي) آلية طرف ثالث تخدم، على سبيل المثال، كمحكّم بين الأطراف. يجب أن تتضمّن الآلية لجنة فنية ذات حجم ملائم وتمتلك المهارات والمعرفة اللازمة لكي تؤدي بفعالية مهامها في المراقبة والتثبّت (مثل القيام باعمال التفتيش على الأرض، والاطلاع/قراءة صور الأقمار الصناعية، الخ)، والتي ستقدم نتائجها للقيادة السياسية. من الممكن أن تتضمّن كذلك لجنة سياسية تكون اللجنة الفنية مسؤولة أمامها، وتكون لديها السلطة لتسهيل عمل اللجنة الفنية وضمان تطبيق تجميد الاستيطان.
الصلاحيات والاجراءات: يجب أن تضمن الآلية الوصول إلى كافة مصادر المعلومات ذات الصلة، ويجب أن يزودها الجانبان بكافة التسهيلات اللازمة للأداء الفعّال لمهامها. هذا يتضمن الاطلاع على بيانات أساسية لقياس الالتزام الاسرائيلي، والصور الجوية و/أو صور الأقمار الصناعية، والدليل على القرارات الحكومية، والقدرة والوسائل اللازمة للقيام بزيارات ميدانية لجمع المعلومات في المناطق التي تجري فيها النشاطات الاستيطانية.