اوراق حقائق
حزيران 20، 2011

ملخّص تنفيذي

  • اقترح قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة (قرار الجمعية العامّة رقم 181) أن تكون القدس (Corpus Separatum) في ظل نظام دولي تُديره الأمم المتحدة. على الرغم من اندلاع المواجهات في عام 1948-1949، بذلت الأمم المتحدة العديد من المحاولات لتأسيس هذا النظام الدولي قبل التخلّي عن ذلك في عام 1951. لكن يبقى الاقتراح مطروحاً "على طاولة البحث" بمعنى أنه يبقى أحد الخيارات في المفاوضات المستقبلية حول وضع القدس.
  • الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لدمج القدس الغربية في إسرائيل والتي اتخذتها بعد حرب حزيران 1967 لتأكيد السيادة على كل القدس كانت محل شجب متكرّر من قبل الأمم المتحدة وليس لها أي أثر قانوني.
  • لم يتم نقل السيادة على أراضي فلسطين الانتدابية سابقاً إلى سلطة الانتداب خلال فترة الانتداب، لكنّها بقيت معلّقة. السيادة على ذلك الجزء من فلسطين الذي أصبح دولة إسرائيل، باستثناء القدس الغربية، نُقلت إلى إسرائيل. أمّا السيادة على أراضي الانتداب الأخرى من فلسطين فبقيت معلّقة لتتم ممارستها من قبل الشعب الفلسطيني عندما يحصل على حق تقرير المصير.
  • احتلال إسرائيل للقدس الغربية منذ عام 1948 لم يحظ باعتراف قانوني، مع أن معظم الدول تعترف بسلطة الأمر الواقع لإسرائيل على القدس الغربية. صادق اتفاق الهدنة العام بين الأردن وإسرائيل لعام 1949 على التقسيم الواقعي للمدينة، لكن لم يؤثّر ذلك على الوضع القانوني للمدينة.
  • إسرائيل في وضع الاحتلال المحارب للقدس الشرقية. في ظل القانون الدولي لا يحق للاحتلال المحارب منح حقوق ملكية. إضافة إلى ذلك، ينطبق مبدأ عدم جواز الاستيلاء على حقوق الملكية بالقوة في هذا السياق، والقدس الشرقية هي ضمن الأراضي التي احتلت في حرب حزيران 1967 والتي يجب على إسرائيل الانسحاب منها وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 242.
  • من المقبول به لدى المجتمع الدولي أن للقدس وضعاً قانونياً منفصلاً عن إسرائيل وبقية الأراضي المحتلة. تبقى الصفة الدقيقة لذلك الوضع ليتم حلّها في سياق حل السلام النهائي، أو إذا فشل ذلك أن يتم حلّها من قبل الأمم المتحدة. في ذات الوقت تبقى السيادة على المدينة مُعلّقة.
  • يوجد لفلسطين مطالبة شرعية بالسيادة على المدينة بناء على حقيقة أن القدس كانت في ظل العثمانيين وأثناء الانتداب البريطاني جزءاً لا يتجزّأ من أراضي فلسطين وكانت أيضاً عاصمتها الإدارية. وإلى أن غيّرت الهجرة اليهودية التركيبة الديمغرافية للمدينة، كان غالبية سكّانها من العرب. مع أن السيادة عليها معلّقة، سوف يتم تجديدها لتؤول إلى الدولة الفلسطينية حالما تحظى هذه الدولة بالاعتراف كدولة ذات سيادة.
  • ادّعاء إسرائيل السيادة على القدس ليس له ما يدعمه. ليس له أساس كذلك في قرار الجمعية العامّة غير الملزم رقم 181 بما أن القرار لم يضع تصوّراً أبداً بأن القدس ستشكّل جزءاً من الدولة اليهودية المقترحة، بل أن تكون (Corpus Separatum) تخضع لنظام دولي. كما لا يمكن أن يُشكّل ادّعاء إسرائيل أنها كانت في حالة دفاع عن النفس في عام 1948 وعام 1967 الأساس لادّعاء الملكية.
  • هناك مجموعة من الأنظمة القانونية التي يعود تاريخها إلى عهد العثمانيين وتُعرف باسم الوضع الراهن (Status Quo) تحكم وضع الأماكن المقدّسة الواقعة في البلدة القديمة. وقد تَعهّدَ المحتلون المتعاقبون بدعم مجموعة الأنظمة هذه التي اكتسبت وضع الواجب القانوني الدولي الذي يُلزم المحتلين الحاليين والمستقبليين لذلك الجزء من المدينة.
  • لم تؤثّر الاتفاقية المرحلية على الوضع القانوني للقدس.

 

مقدّمة

  1. يبحث هذا التقرير وضع القدس في ظل القانون الدولي.
  2. تتمتّع القدس بأهمية دينية لليهودية والمسيحية والإسلام. وباعتبارها إحدى أقدم المدن في العالم، كانت القدس على مفترق طرق الحضارات والثقافات عبر التاريخ. منذ القدم، خاضت شعوب ومجموعات مختلفة الكثير من المعارك للسيطرة عليها. كما كانت المدينة منذ القرن السابع عشر هدفاً لادّعاءات متناقضة لليهود والعرب الفلسطينيين. كان لهذه الادّعاءات أبعاد سياسية وإقليمية، إضافة للبعد الديني حيث أن كِلا الشعبين يعتبران أن المدينة تُجسّد الهوية الوطنية وحق تقرير المصير لكل منهما. لكن يجب أن لا يكون هناك تأثير لأهمية القدس الدينية والتاريخية على الحجج القانونية حول وضع المدينة في القانون الدولي.

الخلفية التاريخية

  1. لفترة 400 سنة وحتى الحرب العالمية الأولى، شكّلت فلسطين جزءاً من الامبرطورية العثمانية. بعد هزيمة تلك الامبرطورية، وُضعت فلسطين في عام 1922 تحت انتداب عصبة الأمم حيث كانت بريطانيا هي سلطة الانتداب. كانت القدس خلال فترة الانتداب جزءاً لا يتجزأ من أراضي فلسطين ومقر إدارتها. أعطى الانتداب مفعولاً لوعد بلفور عام 1917 بتأييد إقامة "وطن قومي" لليهود في فلسطين. لم يتضمّن الانتداب أية بنود محددة تتعلّق بالقدس مع أن المادة 13 والمادة 14 من قانون الانتداب لم تتضمّن بنود حول الأماكن المقدّسة. وفقاً للمادة 13، تسلمت بريطانيا المسؤولية الكاملة عن الأماكن المقدّسة، بما في ذلك الحفاظ على "الحقوق الحالية"، "ضمان حرية العبور"، "والممارسة الحرّة للشعائر الدينية"، باستثناء ما هو متعلّق بإدارة الأماكن الإسلامية المقدّسة التي ضَمن الانتداب حصانتها. تنص المادة 14 من قانون الانتداب على تشكيل لجنة خاصّة "لدراسة، تعريف، وتقرير الحقوق والمطالبات المتعلقة بالأماكن المقدّسة والحقوق والمطالبات المتعلقة بالجاليات الدينية المختلفة في فلسطين". في ضوء الصعوبات المتّصلة بإقامة تمثيل لكل الجاليات الدينية، لم يتم تشكيل اللجنة أبداً وبقيت المسؤولية عن الأماكن المقدّسة بيد سلطة الانتداب التي واصلت حالة الوضع الراهن التي كانت سائدة أثناء الحكم العثماني وحكمت العلاقات بين الجاليات المختلفة.
  2. تسبّب تصاعد الهجرة اليهودية إلى فلسطين بتوترات متزايدة بين الجاليتين وأصبحت القدس بؤرة للصراع (اندلعت في عام 1929 أعمال عنف خطيرة حول حرية الوصول إلى حائط البراق) حيث استمر الوضع الأمني في التدهور بعد ذلك. على إثر ثورة فلسطين في عام 1936 التي بدأت احتجاجاً على تزايد الهجرة اليهودية، قامت بريطانيا بتشكيل اللجنة الملكية الفلسطينية. استنتجت اللجنة بأن الانتداب قد فشل وأوصت بإنهائه. كما اقترحت تقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية. اعتبرت اللجنة الأماكن المقدّسة "أمانة مقدّسة لدى المدينة"، واقترحت إقامة مقاطعة القدس – بيت لحم لتضم كافة الأماكن المقدّسة، مع ممر إلى البحر ينتهي عند يافا وأن يبقى تحت الوصاية البريطانية في ظل انتداب جديد لعصبة الأمم. الخطة الأولى هذه أبطلتها الأحداث السياسية والعسكرية. وبعد الحرب العالمية الثانية، أعلنت المملكة المتحدة أنها غير قادرة على حل المشكلة في فلسطين وأحالت القضية إلى الأمم المتحدة.
  3. عندما وُضعت المسألة أمام الأمم المتحدة في عام 1947، عيّنت الجمعية العامة لجنة خاصّة حول فلسطين. أوصت اللجنة بالإجماع بالحفاظ على قدسية الأماكن المقدّسة وضمان حرية الوصول إليها "وفقاً للحقوق الموجودة". قدّمت اللجنة خطتين بديلتين لفلسطين. وَضعت خطة الأقلية تصوراً لإقامة دولة فيدرالية موحّدة في فلسطين تكون القدس عاصمتها وبلديتين منفصلتين للقسمين اليهودي والعربي. كما أوصت بوضع نظام دولي دائم للحماية والإشراف على الأماكن المقدّسة في القدس وفي أماكن أخرى. أوصت خطة الأغلبية بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية ودولة يهودية، والتدويل الإقليمي لمنطقة القدس كمقاطعة أو كجيب في الدولة العربية. الخطة الأخيرة هي التي أقرّتها الجمعية العامة في القرار رقم 181 الذي أنهى الانسحاب واقترح إقامة دولة عربية ودولة يهودية على أراضي فلسطين ورسَم حدود الدولتين.
    • لم تتم إضافة القدس إلى حدود أي من الدولتين. بدلاً من ذلك، تم اقتراح نظام خاص للقدس. نص القرار على ما يلي:
      "سيتم تأسيس وضع مدينة القدس لتكون “corpus separatum” وفقاً لنظام دولي خاص تُديره الأمم المتحدة. سيتم تعيين مجلس وصاية للقيام بمسؤوليات السلطة الإدارية بالنيابة عن الأمم المتحدة".
    • تم تعريف حدود المدينة على أنها تتضمّن "البلدية الحالية للقدس والقرى والبلدات المحيطة بها حيث ستكون أبو ديس في أقصى الشرق، وبيت لحم في أقصى الجنوب، وعين كارم (بما في ذلك منطقة موتسا المبنية) في أقصى الغرب، وشعفاط في أقصى الشمال". طلبت الجمعية العامة من المجلس تطوير قانون للمدينة ينص على تعيين حاكم وطاقم عمل إداري، هيئة تشريعية، مجلس قضاء مستقل، قانون جنسية ونظام يحكم الأماكن المقدّسة والأبنية والمواقع الدينية.
    • لم يتم أبداً تطبيق خطة التقسيم والنظام الدولي الخاص بالقدس. وبعد شيء من التردّد الأوّلي، أعلن الصهاينة عن رغبتهم في قبول خطة التقسيم. رفضت الجامعة العربية التقسيم لأن الأمم المتحدة، وخصوصاً أن قرار الجمعية العامة غير ملزم، ليس لها الحق في تخصيص 55% من فلسطين للدولة اليهودية حيث أن اليهود ومعظمهم مهاجرون جدد كانوا يمثّلون فقط ثلث السكّان ويمتلكون أقل من 7% من الأرض.
      اندلعت أعمال العنف في عام 1948-1949 واحتلت إسرائيل القدس الغربية واحتل الأردن القدس الشرقية. أضفى اتفاق الهدنة العام بين إسرائيل والأردن بتاريخ 3 نيسان 1949 الصفة الرسمية على التقسيم الواقعي للمدينة.
  4. على الرغم من أعمال العنف، لم تتخل الأمم المتحدة عن هدف تدويل منطقة القدس. في نيسان 1948، أعدّ مجلس الوصاية مسودة قانون للكيان الدولي المنفصل المخطط له. شكّلت الجمعية العامة وفقاً للقرار 194 لجنة المصالحة التي تألفت من ثلاثة أعضاء. قرّرت اللجنة أن "منطقة القدس، بما في ذلك البلدية الحالية للقدس والقرى والبلدات المحيطة ... يجب أن تُمنح معاملة خاصّة ومنفصلة عن بقية فلسطين وأن توضع تحت سيطرة فعّالة للأمم المتحدة". طلبت الجمعية العامّة من اللجنة وضع مقترحات مفصّلة لنظام دولي دائم لمنطقة القدس وتوصيات حول الأماكن المقدّسة. وفي تقاريرها الدورية إلى الجمعية العامة، أوردت اللجنة أن الوفود العربية كانت عموماً مستعدة للقبول بمبدأ تطبيق نظام دولي على القدس، شريطة وجود ضمانات من الأمم المتحدة بشأن استقراره وديمومته. لم تقبل إسرائيل بذلك، مع أنها قبلت بتطبيق النظام الدولي أو السيطرة الدولية على الأماكن المقدّسة. ومع ذلك وفي نيسان 1950، تبنّى المجلس قانوناً مفصّلاً لمدينة القدس يرتكز على البنود الواردة في القرار 181. ولم يُبد أي من الطرفين الاستعداد لقبول القانون المقترح. بعد بذل جهد آخر للوساطة بين الأطراف في عام 1951، استنتجت اللجنة أن عدم رغبة الطرفين بتطبيق القرارات ذات الصلة والتغيّرات التي حصلت على الأرض جعلت من المستحيل مواصلة الطريق للتوصل إلى حل. مع ذلك، يبقى الاقتراح "موضوعاً على الطاولة" بمعنى أن الاقتراح أو ما يشبهه يبقى خياراً للمفاوضات حول مستقبل وضع المدينة.
  5. في ذات الوقت، اتخذت إسرائيل عدة إجراءات لدمج القدس الغربية بإسرائيل. في أيلول 1948، تأسّست المحكمة العليا في القدس، وفي شباط 1949 اجتمع أعضاء الكنيست في المدينة. تبع ذلك تأسيس عدد من الوزارات ومرافق للخدمات العامة في المدينة. أعلنت إسرائيل في عام 1950 أن القدس هي عاصمتها. احتلت إسرائيل القدس الشرقية في حرب حزيران 1967 حيث تبنّت عدداً من الاقتراحات لتوحيد قسمي المدينة، بما في ذلك سن قانون في عام 1967 لتطبيق القانون المدني الإسرائيلي على القدس الشرقية1. أصدرت إسرائيل في عام 1980 "القانون الأساسي" الذي لم يُعلن رسمياً ضم القدس الشرقية، لكنه ضمّها عملياً بإعلان المدينة الموحّدة عاصمة لإسرائيل ومقر مؤسسات الدولة الرئيسية. شجب مجلس الأمن والجمعية العامة بشدة هذا الإجراء. كما أبدى مجلس الأمن الاستياء الشديد في القرار 478 من سن التشريع الإسرائيلي وأكّد أنه "يشكّل انتهاكاً للقانون الدولي ولا يؤثّر على التطبيق المستمر لاتفاقية جنيف ذات الصلة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب بتاريخ 12 آب 1949 في الأراضي العربية والفلسطينية الأخرى المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس". قرّر المجلس "عدم الاعتراف "بالقانون الأساسي" والأعمال الأخرى المماثلة التي تقوم بها إسرائيل وتسعى نتيجة لهذا القرار إلى تغيير صفة ووضع القدس"، ودعا كافة الدول الأعضاء إلى قبول قرارها، كما دعا الدول الأعضاء التي أقامت بعثات دبلوماسية في القدس إلى سحبها منها. ويُواصل هذا القرار، الذي أعاد التأكيد لاحقاً بصياغة مماثلة، تجسيد موقف الأمم المتحدة ومعظم الحكومات بشأن وضع القدس.

الوضع الحالي للقدس في القانون الدولي

  1. لا يمكن فصل مسألة الوضع القانوني للقدس عن وضع فلسطين ككل. قبل الانتداب، كانت السيادة على فلسطين بما فيها القدس بأيدي العثمانيين. لم يُحوّل الانتداب السيادة إلى سلطة الانتداب، ولم يتم تحويلها إلى عصبة الأمم.
    كانت السيادة فعلياً معلّقة أثناء فترة الانتداب. استمر هذا الوضع حتى إقامة دولة إسرائيل واعتراف المجتمع الدولي بها كدولة ودخولها الأمم المتحدة في عام 1949. مع أن الاعتراف بإسرائيل تضمّن الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على بعض الأراضي في أرض الانتداب السابقة لفلسطين، وبما أن امتلاك الأراضي هو أحد المعايير لوجود دولة، إلاّ أنه لم يتضمّن اعترافاً بالسيادة الإسرائيلية على كل الأراضي التي استولت عليها إسرائيل. كما لم يتضمّن الاعتراف بإسرائيل بشكل خاص اعترافاً بخطوط الهدنة لعام 1949 أو بالسيادة على القدس الغربية.
  2. حقيقة أن السيادة معلّقة على ما تبقّى من أراضي الانتداب السابقة لفلسطين لا يعني بالطبع أنه لا يوجد أحد يستحق تلك السيادة. بما أن الاستقلال المؤقت لفلسطين اعتُرِف به في انتداب عصبة الأمم إضافة إلى الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، فإن "وحدة تقرير المصير" تتألف من تلك المساحة من الأراضي. لذلك تؤول السيادة للشعب الفلسطيني لكي يمارسها عندما يحقق استقلاله. في مثال الصحراء الغربية، قال القاضي مكنير في رأيه المنفصل: "السيادة على أراضي الانتداب تكون معلقة؛ وعندما يحصل سكّان الأراضي على الاعتراف كدولة مستقلة ... ستتجدّد السيادة وتؤول إلى الدولة الجديدة"2.
  3. فيما يتعلّق بالقدس، لم يحصل اعتراف قانوني باحتلال إسرائيل للقدس الغربية في عام 1948. السبب هو أن ذلك سيكون غير متوافق مع مفهوم القدس باعتبارها (corpus separatum). لذلك، لا يوجد حالياً دول لها سفارات في القدس3. يوجد لبعض الدول قنصليات في القدس، مع أنها ترتكز على الوضع الدولي للمدينة، ولم يتم طلب الإذن من إسرائيل لإقامتها. تعتبر معظم الدول، بما في ذلك المملكة المتحدة، أن إسرائيل تُمارس فقط سلطة واقعية على القدس الغربية. مع أن اتفاق الهدنة العام بين الأردن وإسرائيل لعام 1949 صادق على التقسيم الواقعي للمدينة، إلاّ أنه لم يؤثّر على الوضع القانوني للقدس. نصّت المادة الثانية بوضوح على أن لا يمنح الاتفاق أية ميزة سياسية أو عسكرية وأن لا يُجحف بحقوق ومطالبات أو مواقف أي طرف، وأن ما يُمليه هو الاعتبارات العسكرية فقط.
  4. فيما يتعلّق بالقدس الشرقية قبل حرب حزيران عام 1967، تم الاعتراف بذلك الجزء من المدينة على أنه تحت الإدارة الواقعية للأردن. لم يمنح احتلال إسرائيل للقدس الشرقية في حرب حزيران 1967 أية حقوق ملكية. السبب هو أن (1) القاعدة المؤسسة جيداً في القانون الدولي تنص على أن الاحتلال لا يستطيع منح حقوق للملكية4، (2) ولمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة ووجوب انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران 1967 كما ورد في قرار مجلس الأمن رقم 242. بناءاً عليه، تبقى السيادة على القدس الشرقية معلّقة كما هو الأمر بالنسبة لبقية فلسطين.
  5. المسألة التالية التي يجب دراستها هي هل للقدس وضع يختلف عن وضع بقية الأراضي المحتلة وإسرائيل. مع أن خطة الأمم المتحدة للتقسيم اقترحت بأن يكون للقدس وضع (corpus separatum) في ظل نظام خاص تُديره الأمم المتحدة، لكن لم يتم أبداً تطبيق هذا النظام. من الواضح من تاريخ الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة لتدويل المدينة بعد رفض خطة التقسيم أن مفهوم (corpus separatum) في ظل نظام دولي للمدينة لم يمت. (يجب أن نلاحظ أيضاً أنه قبل احتلال الأردن للقدس الشرقية في عام 1950، قَبِل العرب أيضاً مبدأ تطبيق نظام دولي على القدس). ومع أن المقترحات للقدس في خطة الأمم المتحدة للتقسيم كانت مجرّد توصيات، وهي بذلك ليست ملزمة قانونياً، يبدو بأن هناك اتفاقاً واسعاً بوجوب مواصلة اعتبار القدس (corpus separatum) – أي أراضي تتميّز قانونياً عن إسرائيل وبقية الأراضي المحتلة، مع أن الطبيعة الدقيقة للنظام الدولي الذي سيطبق على المدينة لم يتم الاتفاق عليها. لهذا السبب، لم تعترف الدول بادّعاء إسرائيل السيادة على القدس الغربية ولم تفتح سفارات لها في المدينة. تتحدّث قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن التي تلت قرار الجمعية العامة رقم 181 بشيء من الغموض عن "وضع القدس" من دون تعريف دقيق لماهية ذلك الوضع. في معظم الحالات يتم استخدام العبارة في سياق شجب الأعمال الإسرائيلية التي تعمل على فرض السيادة الإسرائيلية على المدينة. الهدف هو ضمان أن حالة الوضع الراهن مهما كانت لا تتغيّر. مع ذلك، يجب تفسير العبارة في السياق التاريخي، وبشكل خاص جهود الأمم المتحدة لتأسيس نظام دولي للمدينة والقبول الواسع لمفهوم (corpus separatum).
  6. لقد رفض المجتمع الدولي رفضاً باتّاً ادّعاءات السيادة الإسرائيلية على المدينة (بقسميها الشرقي والغربي). ولم يقبل أيضاً بأن هناك الآن سيادة لأية دولة على المدينة.
    السيادة على القدس حالياً مُعلّقة. يبدو كذلك أن هناك إجماع بأن للقدس وضع منفصل عن إسرائيل وبقية الأراضي المحتلة. فشل الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة للتوسّط بشأن حل خاص بالقدس، القبول الواسع لمفهوم (corpus separatum)، والإشارة في القرارات المتعاقبة للأمم المتحدة إلى "وضع القدس" وإلى "الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها إسرائيل منذ عام 19867، بما فيها القدس" تشهد على ذلك. لم يتم تقرير الطبيعة الدقيقة لذلك الوضع. النظام الدولي الذي سيطبق على القدس مسألة يجب حلّها في سياق مشروع السلام النهائي كما اتفق عليه بين الجانبين في إعلان المبادئ وفي الاتفاقية المرحلية. سواء كان هذا النظام على شكل مدينة مُقسّمة وكل طرف يتمتّع بالسيادة على القسم الخاص به، أو سيادة مشتركة، أو مجموعة أنظمة دولية كما ورد في خطة التقسيم الأصلية، أو حل آخر فإن كل ذلك يخضع للتفاوض.

الموقف الفلسطيني من السيادة على المدينة

  1. الموقف الفلسطيني هو أن تكون القدس عاصمة دولة فلسطين. نصّ إعلان المبادئ الذي تبنّاه المجلس الوطني الفلسطيني في عام 1988 على "إقامة دولة فلسطين على أرض فلسطين وأن تكون عاصمتها في القدس". وفقاً لوجهة النظر الفلسطينية، تضمّن هذا الإعلان تأكيد السيادة على المدينة. وقد حظي الموقف الفلسطيني بدعم كبير من الدول العربية ودول عدم الانحياز.
    لقد أكّد المؤتمر السادس لرؤساء دول وحكومات عدم الانحياز على عدد من المبادئ الأساسية من أجل التوصّل إلى حل شامل للصراع العربي – الإسرائيلي، بما في ذلك أن "مدينة القدس هي جزء لا يتجزّأ من فلسطين المحتلة. حيث يجب الانسحاب منها كلّها وإعادتها دون قيد أو شرط إلى السيادة العربية". أكّدت "جلسة فلسطين والقدس الشريف" لمؤتمر القمّة الإسلامي التي عُقدت في مكّة في كانون ثاني 1981 على "إصرار الشعب الفلسطيني على الحفاظ على حقّه الخالد في المدينة المقدّسة باعتبارها عاصمة وطنه فلسطين، وكذلك إصرار الحكومات والشعوب الإسلامية على حقّها الخالد في مدينة القدس المقدّسة في ضوء الأهمية السياسية، والدينية، والثقافية والتاريخية الدائمة للقدس لدى كافة المسلمين"، وأكّدت على "التزام الدول الإسلامية بتحرير القدس لتصبح عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة، ورفض أي وضع يمكن أن ينتهك الحق العربي بالسيادة الكاملة على القدس". وفي الإعلان الذي تم تبنّيه بمدينة فاس بالمغرب في أيلول 1982، دعا رؤساء الدول والحكومات العربية أيضاً إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة تكون عاصمتها القدس.
  2. مطالبة الفلسطينيين بأن تكون القدس عاصمة دولة فلسطين لا تعني بالضرورة وجوب أن تكون لفلسطين السيادة على كامل المدينة. من الممكن قانونياً تطبيق الحلول التي تمّت مناقشتها لحل قضية القدس، مثل اقتراح التدويل في القرار 181، السيادة المشتركة، أو مدينة مُقسّمة يكون لكل دولة سيادة على القسم الخاص بها بحيث تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية. هناك أسبقية لدولة اتخذت عاصمة لها مدينة ليست لها سيادة عليها. قبل توحيد ألمانيا، كانت مدينة برلين في ظل الإدارة الرباعية للاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وفرنسا. عندما انسحب الاتحاد السوفييتي من هذه الإدارة، تأسّست جمهورية ألمانيا الديمقراطية بحيث يكون القسم الشرقي من برلين عاصمتها. لم يعترف الحلفاء الغربيون الثلاثة بجمهورية ألمانيا الديمقراطية واعتبروا أن المدينة باقية تحت الإدارة الرباعية. استمرّوا كذلك في اعتبار أن المدينة تحتفظ بذلك الوضع حتى بعد اعترافهم بجمهورية ألمانيا الديمقراطية وتأسيس علاقات دبلوماسية معها وإقامة سفارات لهم في برلين الشرقية.
  3. الأساس لأية مطالبة فلسطينية بالسيادة على القدس هو أن القدس كانت في ظل العثمانيين جزءاً لا يتجزّأ من أراضي فلسطين. قبل الانتداب وأثناؤه، كانت القدس العاصمة الإدارية لفلسطين. إلى أن غيّرت الهجرة اليهودية التركيبة الديمغرافية للمدينة، شكّل العرب الغالبية العظمى من السكّان في المدينة. مع أن السيادة على فلسطين لم تنتقل إلى سلطة الانتداب، لم يقضِ الانتداب على السيادة التي بقيت معلّقة. تؤول السيادة إلى الشعب الفلسطيني وسيتم إحياؤها عندما تحصل فلسطين على اعتراف بها كدولة مستقلة5. بناءاً عليه، يحق لدولة فلسطين الحصول على السيادة على أراضي فلسطين الانتدابية، بما فيها القدس، والتي لا تقع تحت سيادة أي دولة أخرى (إسرائيل).
  4. يجب التمييز بين ادّعاء السيادة ومسألة من له السيادة حالياً على المدينة. السيادة على القدس حالياً معلّقة. مع ذلك، من الواضح في الفقرة السابقة أن للادّعاء الفلسطيني مغزىً قانوني. بناءاً عليه، للجانب الفلسطيني الحق في أن تكون له مشاركة كاملة في المفاوضات التي ستقرّر مستقبل المدينة. حقيقة أنه كان لدى الجانب الفلسطيني في الماضي وربما في المستقبل الاستعداد لقبول حل لمستقبل المدينة لا يشمل السيادة الكاملة مثل التدويل، السيادة المشتركة أو مدينة مُقسّمة لا يعني أن هناك إضعاف للمطالبة الفلسطينية بالسيادة.

الادّعاء الإسرائيلي بالسيادة

  1. ليست هناك أهمية للادّعاءات الدينية والتاريخية لليهودية المتعلقة بالقدس عند البحث في مسألة حقوق ملكية القدس اليوم. تدّعي إسرائيل أن لها حق السيادة على الأراضي التي استولت عليها بالقوة في عام 1948 لأن قرار الجمعية العامّة رقم 181 اقترح وجود دولة عربية ودولة يهودية في فلسطين، وأن المجتمع الدولي قبل بوجود حق لإسرائيل لأن الأمم المتحدة اعترفت بها وأصبحت عضواً فيها. هناك شك في شرعية هذه الحجّة حيث وضع القرار 181 تصوراً لدولة يهودية ذات أبعاد أصغر ممّا استولت عليه إسرائيل في عام 1948، كما أن اعتراف الأمم المتحدة والعضوية فيها لا يتضمّن بالضرورة اعتراف بالسيادة على أراضي تكون موضع نزاع. على أي حال لا يمكن أن تنطبق هذه الحجج على السيادة على القدس بما أن القرار 181 لم يضع تصوراً بأن تُشكّل القدس جزءاً من الدولة اليهودية المقترحة، ولم يتم الاعتراف بادّعاء إسرائيل السيادة على القدس. كما تم وضع حجّة بديلة هي أنه يحق لإسرائيل أن تكون لها سيادة على الأراضي التي احتلت في عامي 1948 و1967 بما أنها تقول أنها تصرّفت "دفاعاً عن النفس"، وأن هذه الأراضي لم تكن تحت سيادة أية قوة أخرى. لكن أحد المبادئ الأساسية المعروفة في القانون الدولي هي أن ممارسة الدفاع عن النفس لا يمكن أن تُشكّل في حد ذاتها أساساً للحصول على حق الملكية6، كما أن عدم وجود هذه الأراضي تحت سيادة أية قوة أخرى معنية لا يُشكّل أساساً للحصول على حق الملكية. ستكون إسرائيل قادرة على الحصول على حق الملكية فقط إذا كانت هذه الأراضي بلا مالك (وهي ليست كذلك)، أو أن تكون إسرائيل قادرة على إظهار أن ادعاءها أقوى من ادّعاء أي دولة أخرى في المنطقة. فيما يتعلّق بمسألة القدس الشرقية، يعتري ادّعاء حق الملكية الإسرائيلي المزيد من عدم الصحّة لأن الاحتلال المحارب لا يستطيع منح حقوق بالملكية وان مبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة ينطبق على الأراضي المحتلة بما فيها القدس.
  2. من الواضح من خلال التدقيق في حيثيات الادعاء الفلسطيني والادّعاء الإسرائيلي أن الادّعاء الفلسطيني هو الأصح والأسلم.

هل أثّرت الاتفاقية المرحلية على الوضع القانوني للقدس

  1. لا. المادة 31 (5) من الاتفاقية المرحلية توضح أن القدس هي إحدى قضايا الوضع الدائم. كما تنص المادة 31 (6): "لا شيء في هذا الاتفاق سيجحف أو يستبق نتيجة المفاوضات حول الوضع الدائم التي سيتم إجراؤها ... سوف لن يُعتبر أي من الطرفين بدخوله في هذا الاتفاق أنه شجب أو تخلّى عن أي من حقوقه أو مطالباته أو مواقفه". تكاد القدس لا تُذكر في الاتفاقية المرحلية، لكن إذا حصل وأن جادل الإسرائيليون بأن بعض بنود الاتفاق دعمت بطريقة ما موقفهم بشأن القدس، بإمكان الجانب الفلسطيني الإشارة إلى المادة 31 (6) والقول بأن موقفه القانوني بشأن القدس لم يتأثّر أبداً.
  • 1. أوضحت المحكمة العليا الإسرائيلية أنه منذ تاريخ صدور قانون عام 1967، "أصبحت القدس الموحّدة جزء لا يتجزّأ من إسرائيل": هانزاليس إزاء بطريرك الروم الأرثوذكس (1969) 48 ILR 93، 98.
  • 2. تقارير محكمة العدل الدولية (1975)، فقرة 3، الصفحات 40-68.
  • 3. كانت لكوستاريكا ومكرونيزيا سفارات في القدس تم إغلاقها.
  • 4. راجع تعليق بيكتيت حول معاهدة جنيف الرابعة في صفحة 275.
  • 5. راجع الفقرة العاشرة أعلاه ورأي القاضي مكنير في قضية الصحراء الغربية. من الممكن المجادلة بالطبع بأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية حدث بعد الاعتراف الكبير الذي تلا إعلان الاستقلال في عام 1988. بينما كان هذا الإعلان ممارسة واضحة لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، لكن لم يتبعه استقلال فعلي. 
  • 6. راجع كتاب السير ر. جينينغز، الاستيلاء على الأراضي في القانون الدولي، صفحة 55: "القوة المستخدمة للدفاع عن النفس ... يجب أن تكون متناسبة مع التهديد بالخطر الداهم، وعندما يتم استبعاد الخطر ينتهي الحق في الدفاع عن النفس .... سيكون قانوناً غريباً في الدفاع عن النفس أن يتم السماح للمدافع بأن يستولي على موارد وأراضي المهاجم".
Back to top