- غرفة الإعلام
- ملخص إعلامي
- المضي قدماً: من أوسلو إلى التعددية
المضي قدماً: من أوسلو إلى التعددية
المضي قدماً: من أوسلو إلى التعددية
أوسلو وفشل العملية السياسية
إبرام إتفاقات أوسلو كان محاولة من قبل القيادة الفلسطينية لإختصار الطريق نحو هدف إنجاز الإستقلال في دولة ذات سيادة عاصمتها القدس وفقاً لوثيقة إعلان الإستقلال التي تبنّاها المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988. وقد نصّ هذا الإتفاق والبروتوكلات اللاحقة على إقامة حكم ذاتي فلسطيني لفترة إنتقالية مدتها خمس سنوات تبدأ في السنة الثالة منها مفاوضات بين الطرفين للتوصل إلى إتفاق للحل الدائم يشمل قضايا الحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين والأمن والمياه والعلاقات الثنائية.
منهج التدرج في التنفيذ الذي قام عليه الإتفاق أدى إلى اصطدام عملية التنفيذ في كل مرحلة من مراحلها بصعوبات مُعطّلة إزداد تفاقمها بعد عملية إغتيال إسحق رابين ومجيء نتنياهو إلى الحكم في أيار 1996. حيث باتت كل خطوة من خطوات تنفيذ الإتفاق تصطدم بعقبات لا يمكن تجاوزها إلا عبر انتفاضات متتالية، اتخذ بعضها صفة الانفجارات العنيفة، مثل (هبّة النفق أيلول 1996، ومن بعدها المواجهات التي سبقت إقرار إتفاق الخليل، ومفاوضات واي ريفر).
كان مفترضاً أن يقود الإتفاق عند نهاية السنوات الخمس للمرحلة الإنتقالية إلى نتيجتين: الأولى إعادة تموضع قوات الإحتلال في الضفة وغزة بما يشمل إخلاءها لمعظم هذه المناطق بإستثناء المواقع المتعلقة بقضايا الوضع النهائي، ومواقع عسكرية محددة. والثانية الإختتام الناجح للمفاوضات بين الطرفين حول قضايا الوضع الدائم.
ولكن العثرات التي أشرنا إليها أعلاه أدت عملياً إلى تعطيل الإنسحاب الإسرائيلي من أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية وهي التي اُصطلح على تعريفها بمناطق "ج"، كما أدى هذا الإنشغال بتطبيق أوسلو إلى الإخفاق الكامل في المباشرة بعملية التفاوض حول الوضع الدائم التي لم تبدأ عملياً إلا بعد سقوط حكم الليكود وعودة حزب العمل برئاسة إيهود باراك إلى السلطة في عام 1999. والجدير بالإشارة هنا أن حكومة باراك أوقفت عملية إعادة الإنتشار بشكل كامل بحجة دمج النبضات الأخيرة[1] من عملية تطبيق الإتفاق المرحلي مع مفاوضات الوضع الدائم.
كامب ديفيد كانت الجولة الجدّية الأولى من مفاوضات الوضع الدائم، والتي بدأت عملياً بعد إنتهاء الفترة الزمنية للمرحلة الإنتقالية بخمس سنوات، وظهرت فيها إلى السطح بشكل صارخ مكامن الضعف التي انطوت عليها الصيغة التفاوضية لإتفاقات أوسلو، فإلى جانب غموض المرجعية والإفتقار للسقف الزمني وعدم تحديد الهدف النهائي فشلت الوساطة الأمريكية المنفردة عن الوصول إلى حل يجسر بين المواقف المتناقضة للطرفين الموقف الفلسطيني الذي يصرّ على إنسحاب إسرائيلي كامل لحدود الرابع من حزيران 1967 بما في ذلك في القدس الشرقية والموقف الإسرائيلي الذي يهدف إلى الحفاظ على السيطرة على القدس ومناطق واسعة من الضفة الغربية. وأكثر من ذلك، أظهرت الوساطة الأمريكية إنحيازاً بارزاً للموقف الإسرائيلي المستند للمفهوم الجغرافي للأمن.
بعد فشل كامب ديفيد برزت للعيان نقطة ضعف أخرى من نقاط ضعف إتفاقات أوسلو وهي أنه لم يكن واضحاً ماذا سيحصل عند إنتهاء الفترة الإنتقالية دون التوصل إلى إتفاق حول الوضع الدائم، وبالتالي كان الخيار الوحيد هو التمديد التلقائي للفترة الإنتقالية الذي يعني عملياً إستمرار الإحتلال الإسرائيلي إلى أمد غير محدد.
إندلاع انفجار جديد كان النتيجة الطبيعية لهذا الإستعصاء، ومن هنا كانت الإنتفاضة الثانية في أيلول عام 2000، والتي أدت إلى نتيجتين متناقضتين: الأولى هي إدارة الظهر من قبل إسرائيل لجميع إلتزاماتها بموجب إتفاقيات المرحلة الإنتقالية حيث قامت بإجتياح مناطق الحكم الذاتي بالقوات العسكرية، وأنهت الوجود الفلسطيني على المعابر، ودمرت مؤسسات السلطة الوطنية المدنية منها والأمنية، وأعادت حكم الإدارة المدنية الإسرائيلية التي كانت قد حُلّت بموجب الإتفاق. وفي المقابل، كانت النتيجة الثانية للإنتفاضة تتمثل في تعزيز التوجه الدولي نحو حل الدولتين كما تجسد في خارطة الطريق وفي تبني مجلس الأمن بقراره 1515 خطة السلام العربية التي كانت قد اُعتمدت بشكل رسمي في قمة بيروت عام 2002.
هذا التحول في الموقف الدولي خلق المناخ لإستئناف المفاوضات حول الوضع الدائم، والتي شهدت جولتها الأولى في قمة العقبة الإحتضان الأمريكي الفاضح لمحاولات آريل شارون إفراغ خارطة الطريق من مضمونها عبر تحفظاته الأربعة عشر المعروفة. وبالتالي إفتقد الاجماع الدولي على حل الدولتين للمحددات و الآليات والسقوف الزمنية الضرورية من أجل تحويل هذا الحل إلى واقع منجز، وسقط مرة أخرى في هوّة الغموض في المرجعيات الذي تكرّس بفعل الرعاية الامريكية المتفردة. وأدى ذلك إلى الفشل الذي تكرر مرة أخرى في جولة أنابوليس والمفاوضات التي أعقبتها مع حكومة أولمرت.
المسار التعددي وتهاون المجتمع الدولي
إزاء هذا التعنت الإسرائيلي وعجز المجتمع الدولي عن تحمل مسؤولياته في فك إستعصاء العملية السياسية بفعل إستسلامه للإحتكار الأمريكي، لجأت القيادة الفلسطينية إلى المسار التعددي لتفعيل آليات القانون الدولي وتوظيفها من أجل إنهاء الإحتلال، ورفع الحصانة القانونية والسياسية التي تمتعت بها إسرائيل على مدى عقود، وكسر الإستحواذ الأمريكي على العملية السياسية والتفاوضية المفرغة من مضمونها، ودفع المجتمع الدولي للإنخراط الجدي بهذه العملية. من هنا كان إنضمام دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة ومنظماتها ووكالاتها والمعاهدات والمواثيق الدولية وصولاً للتوقيع على ميثاق روما والإنضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية. ولكن القيادة أبقت الباب مفتوحاً أمام خيار المفاوضات الثنائية التي شهدت جولة أخيرة وحاسمة لها خلال محادثات جون كيري التي كان إنهيارها بفعل التعنت الإسرائيلي في ربيع 2014 مدخلاً لإستعصاء كامل في العملية السياسية وإستمرار الاحتلال بالأمر الواقع وكسب الوقت من جانب إسرائيل، سلطة الإحتلال، لتغيير الوقائع على الارض من خلال التوسع الإستيطاني الإستعماري وتهويد القدس والتمهيد لضم الأغوار وفرض مشروع إسرائيل الكبرى على فلسطين التاريخية وتقويض حل الدولتين.
هذا التغول الإسرائيلي وجد البيئة المناسبة لإستفحاله في ظل إخفاق المجتمع الدولي في الاستجابة للمحاولات المتواصلة من جانب القيادة الفلسطينية لحثّه على تحمل مسؤولياته من خلال إيجاد صيغة متعددة الأطراف لحل القضية الفلسطينية وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة كونها مرجعيات واضحة وبآليات ملزمة وسقوف زمنية. وشهدنا إمعاناً من قوى دولية مؤثرة في التهرب من أية خطوات عملية لحماية حل الدولتين بالرغم من الإلتزام الشفوي به، بما في ذلك الإمتناع عن الإعتراف بدولة فلسطين والتنصل من أية خطوات تضغط على إسرائيل لوقف خروقاتها أو معاقبتها على إنتهاكاتها للقانون الدولي بالرغم من الإعتراف اللفظي بهذه الإنتهاكات، في الوقت الذي يتواصل فيه الضغط على القيادة والشعب الفلسطيني بوسائل مختلفة وكأن المطلوب هو دفعه نحو الإستسلام لواقع الإحتلال. وهو ما خلق لدى الجانب الإسرائيلي قناعة راسخة بالإفلات من العقاب أدت بحكومات الاحتلال المتعاقبة إلى الجهر برفضها أية مفاوضات مع الجانب الفلسطيني ورفض قيام دولة فلسطينية.
خطاب السيد الرئيس في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2021: المضي قدماً
الجوهري في خطاب الرئيس هو أنه وضع العالم أمام حقيقة أن هذا الوضع غير قابل للإستمرار، وأن شعبنا لم يعد يحتمل المزيد، وهو لا يمكن أن يُسلَم بإستمرار واقع الإحتلال. وهذا يضعنا أمام مفترق طرق، فإما العمل الجاد تحت رعاية دولية لتطبيق قرارات الشرعية الدولية بما يفضي إلى إنسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران 1967 وحل سائر قضايا الوضع الدائم وهذا ما تفضّله القيادة الفلسطينية وإما الإنزلاق نحو إنفجار لا تُحمد عقباه يضع مستقبل الإستقرار والأمن في المنطقة والعالم أمام مصير مجهول.
إن هذا الكلام ليس تهديداً وإنما هو دعوة للمجتمع الدولي للتنبّه إلى المخاطر القادمة التي تنطوي على إستمرار الوضع الراهن دون أفق سياسي، وتجنب إنفجار آخر قادم، فقد إستنفذ الشعب الفلسطيني وقيادته كل الوسائل والمحاولات لشق مسار سياسي يحفظ له حقه في الحرية وتقرير المصير. حتى المحاولات لإحتواء الصراع من خلال ما يُسمى بإجراءات الثقة والتي تعاطت معها القيادة الفلسطينية بإيجابية فائقة إنتهت إلى بضعة تسهيلات هامشية لا تُسمن ولا تغني من جوع.
الآن، إذا كانت إسرائيل ترفض الإعتراف بالوجود الفلسطيني وحقه في الإستقلال فلماذا يستمر الإعتراف الفلسطيني بإسرائيل الذي أصبح عملياً إعترافاً أحادياً من جانب واحد؟ وإذا كانت إسرائيل تتنكر لجميع إلتزاماتها بموجب الإتفاقات الموقعة دون رد فعل دولي فلماذا يُطلب من الجانب الفلسطيني إستمرار التمسك بهذه الإتفاقات ويُعاقب على تلويحه بوقف الإلتزام بها؟
إن خيارات الشعب الفلسطيني بهذا الشأن هي خيارات مفتوحة، وإذا كانت القيادة الفلسطينية قد حرصت طيلة السنوات الماضية على إستنفاذ كل الإمكانيات لتفادي اللجوء إلى هذه الخيارات من أجل حماية المنطقة وفرص السلام، فإن خطاب الرئيس هو اليوم بمثابة النداء الأخير، لأن إستمرار الوضع القائم سيؤدي الى إنفجار شامل يعيد المنطقة الى دوامة العنف ما لم يتم تدخل دولي فاعل تدرك من خلاله إسرائيل بأن إستمرار إحتلالها ونظام الفصل العنصري له ثمن، وإن عليها الإنصياع للإرادة الدولية بإنهاء الإحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير.
وتبقى الصيغة المناسبة لذلك من وجهة النظر الفلسطينية هو المؤتمر الدولي بمرجعيته القائمة على قرارات الأمم المتحدة وتحت رعاية دولية جماعية تؤمنها الرباعية الدولية بهدف تنفيذ تلك القرارات وفق آليات ملزمة وسقوف زمنية محددة. هذه الصيغة هي التي تكفل تجاوز مكامن الخلل التي إنطوت عليها العملية السياسية السابقة والتي أدت إلى إخفاقها.
[1] النبضة هي كل خطوة من الانسحاب الإسرائيلي من مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية (الإنتشار الفلسطيني).