سيتم ضمن إطار الوضع الدائم على أساس حل الدولتين، دولة فلسطين ودولة إسرائيل تعيشان جنبًا إلى جنب بأمن وسلام، تنظيم العلاقات والتعاون في القطاعات المختلفة بناء على المساواة في السيادة، وضمان إزالة القيود الإسرائيلية المتواصلة، والتعاون لمصلحة الطرفين، مع الحفاظ على استقلال كل دولة وسلطاتها في تدبير شؤونها الداخلية وتنظيمها. وبغية جعل مثل هذا التحول ممكنًا، لا بد من معالجة عدد من القضايا التي ترتبط بكيفية التعاون بين دولة فلسطين المستقلة ودولة إسرائيل وتنظيم العلاقات بينهما، مع الأخذ بعين الاعتبار الآثار المترتبة على القيود الإسرائيلية المستمرة المفروضة على تلك القطاعات في الجانب الفلسطيني.
لقد خلّف الاحتلال العسكري الإسرائيليّ، الذي لا يزال جاثمًا على أرضنا منذ حوالي نصف قرن تقريباً ، آثارًا بعيدة المدى على كافة جوانب الحياة الفلسطينية. فقد رسّخ هذا الاحتلال، على مدى العقود الماضية، من اعتماد الفلسطينيين على إسرائيل في عددٍ من القطاعات، وحال بيننا وبين استغلال قدراتنا وإمكانيتنا الاقتصادية الكامنة وإطلاقها والاستفادة منها. ولذلك، فإننا نسعى إلى وضع حدّ ٍ للاعتماد القسري على إسرائيل وإنجاز كافة حقوقنا المشروعة ومنها الاقتصادية، ونيْل حريتنا على الوجه الذي يكفله القانون الدولي للدول المستقلة كاملة السيادة.
وتستدعي جملة من المواضيع التي تقع ضمن اطار العلاقات الثنائية للدولتين إجراء مفاوضات مستفيضة، منها:
تسببت القيود والعقبات التي وضعتها سلطات الاحتلال على حرية حركتنا وتنقلنا، ومنعنا من الوصول إلى أرضنا، والسيطرة على مواردنا ومياهنا، ومن تسخير الإمكانيات الزراعية الكبيرة التي تزخر بها أرضنا واستثمارها.
ففي منتصف التسعينيات من القرن الماضي، بلغت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 11 بالمائة، لكن منذ ذلك الحين عانى القطاع الزراعي من انخفاض حاد خلال فترة قصيرة من الزمن حتى بلغت مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي 4.1 بالمائة فقط في العام 2013.
ولذلك يتحتم على أي إتفاق خاص بالوضع النهائي أن يضمن قدرة القطاع الزراعي على تحقيق الاستقرار والنمو والاستفادة من إمكاناته إلى اقصى حد. وهذا يتطلب توفير المصادر المائية، وإمكانية الوصول إلى الأراضي الزراعية، والقدرة على تصدير المحاصيل الزراعية إلى إسرائيل وإلى السواق الإقليمية والدولية بطريقة عاجلة وناجعة.
نتيجة للسيطرة الإسرائيلية المُحكمة على فلسطين المحتلة، فقد أصبحت تعتمد بدرجة كبيرة على إسرائيل لتزويدها بالكهرباء ومنتجات الطاقة. ولا تمتلك فلسطين حالياً قدرة مستقلة لتوليد الطاقة الكهربائية عدا محطة توليد الكهرباء في غزة التي استهدفها الطيران الحربي الإسرائيلي.
تبلغ الطاقة الإنتاجية الكاملة لمحطة غزة لتوليد الكهرباء 140 ميجاواط وتعتمد في الإنتاج على الغاز الطبيعي، لكنها في الوقت الراهن تنتج 60 ميجاواط فقط، وتعمل على الوقود السائل الثقيل بتكلفة باهظة، وهذا أقل بكثير مما يحتاجه الشعب الفلسطيني من الطاقة الكهربائية والذي يصل إلى 1100 ميغاواط، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 2400 ميغاواط في العام 2025.
تعتمد فلسطين كثيرًا على إسرائيل كي تلبي احتياجاتها من الطاقة الكهربائية وذلك عبر أكثر من 220 خط اتصال، وتقتطع إسرائيل من تلقاء نفسها ثمن الكهرباء من عائدات الضرائب الفلسطينية التي تجمعها دون موافقة الجانب الفلسطيني أو إشرافه. وكذلك الأمر تعتمد فلسطين على إسرائيل للتزود بالمنتجات البترولية نظرًا لعدم تمكن فلسطين من تطوير مصادر الهيدروكربون خاصة بها بسبب القيود العسكرية الإسرائيلية. لذلك ينبغي على أي إتفاق خاص بالوضع النهائي أن يضمن قدرة فلسطين على تطوير قطاع الطاقة لديها وقدرته الإنتاجية من أجل ضمان أمن الطاقة، مع الحفاظ على التعاون لمنفعة الطرفين على قدم المساواة.
تمنع إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، توفير ترددات الراديو التي نحتاجها لتشغيل شركات الهاتف النقّال وضمان عملها بصورة اعتيادية وتطوير سوق اتصالاتٍ قائمٍ على المنافسة في فلسطين. وفي الواقع، لا تتوانى سلطات الاحتلال الإسرائيلية عن تمكين شركات الهاتف الخليوي الإسرائيلية من الدخول في منافسة غير قانونية في سوق الاتصالات في الضفة الغربية وقطاع غزة وتقديم كافة التسهيلات لها في ذلك.
نظرا لأهمية الأراضي المقدسة لملايين الناس في كافة أنحاء العالم، تعتبر السياحة والحج إلى الأماكن الدينية في الأراضي الفلسطينية من أهم القطاعات التي تساهم في رفد الناتج المحلي الإجمالي في فلسطين. ولكن ما تزال القيود التي تفرضها إسرائيل تحول دون قدرتنا على إنجاز إمكانياتنا وقدراتنا الاقتصادية الكامنة والاستفادة منها في هذا القطاع حتى هذا اليوم. وتستدعي الطبيعة المتداخلة التي تتسم بها المواقع السياحية في فلسطين وإسرائيل إجراء التنسيق بين الدولتين من أجل إنشاء نظامٍ وترتيباتٍ للتجارة السياحية بحيث تكفل تنظيم حركة السياح .
قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية، على مدى سنوات احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 1967، بمصادرة المئات من مواقع التراث الثقافي ونهبها وإجراء التنقيبات فيها، مما ألحق بها أضرارًا لا يمكن جبرها أو إصلاحها، وتسبّب في ضياع التراث الثقافي الفلسطيني. وفي هذا السياق، يحظر القانون الدولي العرفي والاتفاقيات والبروتوكولات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، بما فيها عددٌ من الاتفاقيات والبروتوكولات التي وقّعت عليها إسرائيل نفسها، مصادرة مواقع التراث الثقافي وتطويرها من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية. ولذلك، فإن إسرائيل ترتكب خرقًا مباشرًا للالتزامات والواجبات التي تُمليها عليها المواثيق القانونية الدولية، التي تحرّم عليها تطوير مواقع التراث الفلسطيني والتدخل فيها من جانبٍ واحد. وعليه، ينبغي على أي إتفاق ثقافي أن يضمن، من جملة قضايا أخرى، إعادة القطع الأثرية والفنية والثقافية الفلسطينية.