هناك إدانة منتظمة لسياسات وممارسات إسرائيل الاستيطانية من قبل الأمم المتحدة، واللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الأوروبي باعتبارها عائقاً كبيراً أمام تحقيق سلام شامل، وعادل ودائم في الشرق الأوسط وتتناقض مع القانون الدولي، وخصوصاً معاهدة جنيف الرابعة حول حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب.
ما زالت إسرائيل في وضع احتلال محارب للأراضي التي احتلتها في حرب حزيران 1967. ونتيجة لذلك، تنطبق معاهدة جنيف الرابعة والبنود الأخرى للقانون الإنساني الدولي على هذه الأراضي. وهذا يشمل أيضاً القدس الشرقية التي ما زالت أرضاً محتلة على الرغم من المحاولات الإسرائيلية لضمّ المدينة لتكون جزءاً من إسرائيل.
تنتهك السياسات والممارسات الاستيطانية الإسرائيلية المادة 49، الفقرة 6 من معاهدة جنيف الرابعة التي تحظر على القوة المحتلة نقل مجموعات من سكّانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها. ولا يقتصر هذا البند، كما تُجادل إسرائيل، على النقل القسري بل يشمل الوضع الذي تعمل فيه القوة المحتلة بنشاط ومن خلال مجموعة من الحوافز السياسية والاقتصادية لتشجيع سكانها على الاقامة والسكن في الأراضي المحتلة، وبذلك تغيير صفتها الجغرافية والديمغرافية.
كما تنتهك إسرائيل البنود الأخرى للقانون الإنساني الدولي، وخصوصاً (1) المادة 53 من معاهدة جنيف الرابعة التي تحظر تدمير الممتلكات الخاصّة، إلاّ إذا اعتبرت ضرورية للعمليات العسكرية، (2) والمادة 46 من أنظمة لاهاي التي تحظر مصادرة الممتلكات الخاصّة، (3) والمادة 55 من أنظمة لاهاي التي تُجبر القوة المحتلة على إدارة الأراضي المحتلة وفقاً لقواعد حق الانتفاع (هذا البند مهم حينما يتعلق الأمر بفحص الممارسات الإسرائيلية تجاه الموارد الطبيعية للأراضي المحتلة مثل المياه).
وفي حالة القدس، فإن الضم الذي تدعيه إسرائيل للقدس الشرقية يعني حرمان سكّانها من الحماية التي توفرها لهم معاهدة جنيف الرابعة، بصورة مناقضة للمادة 47. وقد ازدادت المشكلة سوءاً عندما أضيف إلى حدود المدينة الموسّعة مناطق كبيرة من ضواحي المدينة، وبذلك تم حرمان سكّان هذه المناطق من مزايا المعاهدة حيث تم فعلياً دمج المناطق والمستوطنات داخلها في إسرائيل.
إضافة إلى كون المستوطنات انتهاكا للقانون الإنساني الدولي، فان السياسات والممارسات الاستيطانية الإسرائيلية تخرق أيضاً عدداً من المبادئ المهمّة للقانون الدولي. فباقامة المستوطنات لغرض تعزيز الادّعاء بامتلاك مناطق في الضفة الغربية وغزة، تعمل إسرائيل بصورة مناقضة لمبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة. وهذا مبدأ مهم في القانون الدولي حيث أوضحت الأمم المتحدة في قرار مجلس الأمن رقم 242 أنه ينطبق على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967. كما أوضحت الأمم المتحدة بصورة منتظمة أن سياسات وممارسات الاستعمار الإسرائيلي تُشكّل عقبات خطيرة في طريق التوصّل إلى حل شامل، وعادل ودائم في الشرق الأوسط. وعلى إسرائيل واجب دولي بالامتناع عن القيام بأعمال تجعل حل النزاع الدولي أكثر صعوبة. هذه هي نتيجة الالتزام الوارد في المادة 2(3) من ميثاق الأمم المتحدة لحل النزاعات بالوسائل السلمية. كما أن وجود المستوطنات يجعل الدولة الفلسطينية المستقبلية أقل قدرة على النمو والتطور اقتصادياً وسياسياً. ويحرم الفلسطينيين حق تقرير مصيرهم.
تنتهك سياسات وممارسات الاستيطان الإسرائيلي المادة 31(7) من الاتفاقية الانتقالية التي تطلب من كلا الجانبين عدم بدء أو اتخاذ أية خطوة ستعمل على تغيير وضع الضفة الغربية وقطاع غزة بانتظار نتيجة مفاوضات الوضع الدائم. وهذا يتطلّب وقف كافة النشاطات الاستيطانية، سواء كانت إقامة مستعمرات جديدة، توسيع المستوطنات الموجودة، أو بناء جديد داخل المستوطنات الموجودة.
الحجج الإسرائيلية القانونية لتبرير إقامة المستوطنات غير صحيحة. تُجادل إسرائيل بأن لها الحق في استعمار الأراضي المحتلة لأن التفويض الأصلي لعصبة الأمم نصّ على وطن يهودي "وحل قريب" في فلسطين، لكنه لم يكن دقيقاً بشأن المنطقة. ولأن الأراضي المحتلة لم تتمتّع بالسيادة وفقاً لخطة التقسيم لعام 1947، يحق لإسرائيل استيطان هذه المناطق. تفترض هذه النظرية أن التفويض يبقى نافذاً (وهذا مشكوك فيه). لكن إذا كان نافذاً، عندها لا تستطيع إسرائيل أن تختار فقط البنود التي تكون في مصلحتها. وقد وَضَعَ التفويض أيضاً تصوراً لإقامة دولة فلسطينية وخصصت الأراضي المحتلة لهذه الدولة، كما تم تخصيص أراض لما أصبح الآن إسرائيل. إضافة إلى ذلك، تتجاهل الحالة الإسرائيلية قرار مجلس الأمن رقم 242 والمبدأ الذي يُشكّل الأساس له، أي عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
وفقاً للقانون الدولي، يجب على إسرائيل واجب تقديم تعويضات عن الانتهاكات للقانون الدولي التي أحدثتها سياساتها وممارساتها الاستيطانية. وهذا يتطلّب من إسرائيل إزالة المستوطنات وسكّانها وتعويض المالكين عن مصادرة وتدمير ممتلكاتهم، وحيث يكون ملائماً، التعويض عن خسارة الأرباح و/أو دفع الفوائد.
المستوطنات الإسرائيلية والقانون الدولي
مقدمة
يبحث هذا التقرير شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي التي احتلتها إسرائيل، بما فيها القدس الشرقية، بعد حرب حزيران 1967. يُعالج التقرير المسألة بشكل رئيسي من وجهة نظر حقوق وواجبات إسرائيل كقوة محتلة وفقاً لمبادئ القانون الإنساني الدولي. كما أنه يُعالج توافق الممارسات الإسرائيلية مع المبادئ الأخرى للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. ويتطرّق أيضاً للحجج الإسرائيلية، إذا أمكن التحقق منها، التي تُبرّر إقامة المستوطنات ومسؤولية إسرائيل عن تقديم التعويضات عن الضرر الناتج من السياسات والممارسات الاستيطانية الإسرائيلية.
بدأت الممارسة الإسرائيلية المتمثلة ببناء المستوطنات في الأراضي المحتلة بعد مضي وقت قصير على انتهاء حرب حزيران 1967. مع أن إسرائيل جادلت بأن المستوطنات بُنيت لتعزيز الأمن الإسرائيلي، الا أن الهدف الحقيقي لبناء المستوطنات كان تدعيم سيطرة إسرائيل على الأراضي المحتلة وضمان قدرتها، من خلال إقامة المستوطنات والتوسّع المتواصل، على توسيع حدودها في أي اتفاق دائم. وبعبارة أخرى، تعمل إسرائيل من خلال استعمار الأراضي المحتلة على حرف المفاوضات لتكون في مصلحتها، وتأمل بالحصول على الاعتراف بحقها بالسيادة / الإدارة الدائمة للمستعمرات. وقد يُشكّل الأساس لهذه السياسة أيضاً الرغبة في ضمان أن تكون أية دولة فلسطينية غير قادرة على النمو والتطور بجعل أراضيها مقسّمة بالمستوطنات. وفيما يتعلّق بمستعمرات القدس الشرقية، بما في ذلك المستوطنات التي وُضعت داخل الحدود البلدية للقدس، لا شك بأن هدفها أيضاً هو دعم مطالبة إسرائيل غير القانونية، وجعل القدس الشرقية المحتلة جزءاً من عاصمتها وتعديل التركيبة الديمغرافية للمدينة لضمان أن يُشكّل الإسرائيليون غالبية السكان فيها[1].
يعيش اليوم نحو 400,000 إسرائيلي في مستوطنات في الأراضي المحتلة, 170,000 منهم يعيشون في القدس الشرقية المحتلة. منذ عقد السبعينيات، بنى المخططون الإسرائيليون توسيع المستوطنات على مفهوم "الكتل الاستيطانية" – مجموعة من المستوطنات المنفردة في منطقة جغرافية تم دمجها بمرور الوقت في مجالات البنية التحتية، والإدارة وتوفير الخدمات.
يربط المستوطنات نظام من الطرق السريعة التي يسيطر عليها الإسرائيليون فقط. ويوجد حالياً في الأراضي المحتلة حوالي 160-170 مستوطنة و61 قاعدة عسكرية. يعيش أكثر من 75% من المستوطنين في 19 مستوطنة. إضافة إلى ذلك، يسيطر الإسرائيليون على عدد من المرافق المخصّصة لخدمة المستوطنات مثل محطات البنزين، والمزارع، والمرافق والأحواض الزراعية الأخرى الخ. كما أن هناك عدداً من المناطق الصناعية التي تخدم المستوطنات وتوفّر الوظائف للسكّان.
في معظم الحالات تمّت مصادرة الأراضي التي بُنيت عليها المستوطنات من قبل الإسرائيليين من دون أن يحصل المالكون الأصليون على أية تعويضات (في إحدى المراحل عرض الإسرائيليون تعويضات على الفلسطينيين عن مصادرة أراضيهم، لكن ليس واضحاً مدى كفاية هذه التعويضات. رفض الفلسطينيون هذا العرض لأنه سيعتبر قراراً منهم باستيطان أراضيهم، ثم توقّف الإسرائيليون عن تقديم التعويضات). شمل بناء المستوطنات في كثير من الحالات مصادرة وتدمير الأراضي الزراعية مثل بساتين الزيتون التي اعتمد عليها أصحابها لكسب عيشهم. كما تم تلويث موارد المياه لتلبية حاجات المستوطنات. وكذلك شجّعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بناء المستوطنات من خلال العديد من الحوافز الاقتصادية.
منذ التوقيع على مذكرة واي ريفر في 23 تشرين الأول 1998 وحتى الانتخابات الإسرائيلية في 17 أيار 1999، واصل المستوطنون في الضفة الغربية إقامة مراكز استيطانية جديدة، مُنحت كلها تقريباً موافقة ذات مفعول رجعي من قبل حكومة باراك. كما تواصل في ظل حكومة باراك إقامة مراكز استيطانية جديدة وتوسيع المستوطنات الموجودة على قدم وساق.
الموقف وفقاً لمعاهدة جنيف الرابعة والقواعد الأخرى للقانون الإنساني الدولي
بما أن إسرائيل استولت على الأراضي بالقوة، وحيث أن القانون الدولي ينص على عدم جواز ذلك، ما زالت إسرائيل في وضع احتلال محارب للأراضي التي استولت عليها في حرب حزيران 1967. وهذا يعني تحديداً أن معاهدة جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في زمن الحرب تنطبق على هذه الأراضي، بما في ذلك القدس الشرقية المحتلة. ما زال هذا الرأي هو الموقف المتناغم للمجتمع الدولي[2]. إضافة إلى ذلك، فان أنظمة لاهاي المضافة إلى اتفاقيات لاهاي المتعلقة بقوانين وعادات الحرب تنطبق أيضاً على هذا الوضع. في الحقيقة أن معاهدة جنيف الرابعة مكمّلة لقسمي 2 و3 من الأنظمة (المادة 154). مع أن إسرائيل ليست طرفاً في البروتوكولات الإضافية لمعاهدات جنيف لعام 1977، تُعتبر البروتوكولات الإضافية مساعدة طالما اكتسبت البنود مرتبة القانون العرفي الدولي، أو أضفت مغزى على المبادئ الثابتة للقانون الدولي. ويجب أن نُلاحظ أيضاً أن القانون الإنساني الدولي لا يهتم بشرعية الاحتلال أو وضع الأراضي تحت الاحتلال[3]. فهدفه الرئيسي هو ضمان أنه عندما يجد المدنيون أنفسهم عالقين في صراع مسلّح، يُراعي أطراف الصراع مقاييس دُنيا محددة للسلوك. لذلك فإن التركيز في كافة فقرات معاهدة جنيف الرابعة هو على "الأشخاص المحميين". بناءاً عليه، فإن أي موقف يمكن أن تتخذه إسرائيل بشأن الوضع القانوني للأراضي المحتلة لن تكون له علاقة بتطبيق القانون الإنساني الدولي على الوضع المعني. ان موقف إسرائيل المتعلق بتطبيق معاهدة جنيف على الأراضي المحتلة متناقض إلى حدٍ ما. فإسرائيل لا تقبل مسألة قانون انطباق المعاهدة على الأراضي، لكنها مستعدة لتطبيق بعض بنود المعاهدة. وكما ذكرنا، فان هذا الموقف ليس مشتركاً مع بقية أعضاء المجتمع الدولي الذي يعتقد أن المعاهدة تنطبق على الأراضي المحتلة بشكل تام.
تنص المادة 49، الفقرة السادسة من معاهدة جنيف الرابعة على ما يلي: "لا يجوز لدولة الاحتلال أن تُرحّل أو تنقل جزءاً من سكّانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها. ويُشكّل هذا البند الأساس للحجّة بأن المستوطنات الإسرائيلية تنتهك المعاهدة، ونتيجة لذلك فهي غير قانونية وفقاً للقانون الدولي. إنه لأمر يُجانب الحقيقة أن يدّعي الإسرائيليون، كما فعلوا في مناسبات عديدة، أن هذا البند يتعلّق فقط بالنقل القسري لأن بقية المادة تتعلق بالنقل القسري أو الإبعاد. كان حذف كلمة "قسري" في الفقرة السادسة متعمداً. تبحث أول خمس فقرات من المادة مسألة النقل القسري والإبعاد للأشخاص المحميين، بينما تُعالج الفقرة السادسة الوضع الذي تنقل فيه القوة المحتلة سكانها إلى الأراضي المحتلة. الهدف من ذلك واضح جداً وهو منع القوة المحتلة من تغيير التكوين الديمغرافي للأراضي المحتلة.
سعت الفقرة إلى الحديث عن النقل القسري والوضع الذي تُشجّع فيه بشكل ايجابي توطين سكّانها في أراضي تحت الاحتلال[4]. إذا كانت هناك حالة تلائم جيداً الحظر الوارد في الفقرة السادسة من المادة 49، فيجب أن تكون هذه هي السياسة الإسرائيلية ذات الصلة بالمستوطنات.
تتعلق البنود الأخرى للقانون الإنساني الدولي بقضية المستوطنات. تحظر المادة 53 من معاهدة جنيف الرابعة قيام القوة المحتلة بأي تدمير للممتلكات العقارية أو الشخصية التي تعود بشكل فردي أو جماعي لأشخاص خاصّين، أو للدولة، أو لسلطات عامّة أخرى، أو لمنظمات اجتماعية أو تعاونية، باستثناء الحالات التي يكون فيها هذا التدمير ضرورياً جداً للعمليات العسكرية. تحظر المادة 46 من أنظمة لاهاي مصادرة الممتلكات الخاصة (إلا إذا كانت هناك ضرورة عسكرية لذلك). تنص المادة 55 من لوائح لاهاي على ما يلي:
"ستعتبر الدولة المحتلة فقط في وضع إداري وانتفاع من الأبنية العامة، والممتلكات العقارية، والغابات، والمشاريع الزراعية التي تملكها دولة معادية وتوجد في الدولة المحتلة. يجب أن تقوم بحماية موجودات هذه الممتلكات وإدارتها وفقاً لقواعد الانتفاع".
في هذا السياق، يجب أن نُلاحظ أن عبارة "دولة معادية في هذا البند وغيره يجب أن لا تُعطى معنىً مقيداً وأنها تنطبق فقط على الممتلكات التي تعود إلى كيان يملك الصفات القانونية لدولة وفقاً للقانون الدولي. كما ورد في الفقرة السادسة أعلاه، يعود السبب إلى أن القانون الإنساني الدولي لا يهتم بمسألة شرعية الاحتلال أو الوضع القانوني للأراضي تحت الاحتلال. فهو يهتم بضمان مراعاة القوة المحتلة للمقاييس الدنيا المحددة للسلوك وضمان حماية الأشخاص الذين يشملهم القانون الإنساني الدولي.
لذلك، فإن السياسة الاستيطانية لإسرائيل لا تنتهك فقط الحظر العام في المادة 49، الفقرة السادسة، من معاهدة جنيف الرابعة بعدم نقل سكانها إلى الأراضي المحتلة، ولكن أيضاً الأسلوب الذي تنتهك فيه السياسة المتّبعة بنود محددة من المعاهدة وأنظمة لاهاي. وبما أن إقامة المستوطنات يتطلب في معظم الحالات مصادرة أو تدمير الممتلكات الخاصة، تنتهك المستوطنات أيضاً المادة 53 من معاهدة جنيف والمادة 46 من لوائح لاهاي. وينطبق ذات الشيء على تدمير المزارع الخ. وإضافة إلى ذلك، فإن إقامة وتشغيل المستوطنات لا يتوافق مع الحقوق المحدودة التي تملكها القوة المحتلة وفقاً للمادة 55 من لوائح لاهاي بإدارة الممتلكات تحت الاحتلال وفقاً لقواعد الانتفاع[5]. وهذا ينطبق تحديداً على حرمان السكان المحليين من موارد طبيعية قيّمة، مثل المياه، لمصلحة المستوطنات. كما لا تسمح قواعد الانتفاع للقوة المحتلة باستخدام الأرض والموارد الطبيعية الواقعة تحت الاحتلال لأهداف بناء مجمّعات صناعية، خصوصاً وأن المجمّعات الصناعية ستستخدم فقط لفائدة المستوطنات وليس لفائدة السكان المحليين. وينطبق نفس الشيء على شبكة الطرق السريعة التي بنتها إسرائيل لربط المستوطنات والمنشآت الأخرى التي أقامتها أو صادرتها إسرائيل لتخدم المستوطنات[6].
كما ذكرنا سابقاً هناك نحو 61 منشأة عسكرية في الأراضي المحتلة. ستبقى هذه المنشآت قانونية طالما أن وجودها ضروري لأمن القوة المحتلة. هذا الأمر ينطبق أيضا على مصادرة وتدمير الممتلكات شريطة أن تكون له ضرورة قصوى للعمليات العسكرية (المادة 53 من معاهدة جنيف الرابعة). لكن من المرجّح أن كثيراً من هذه المنشآت ضرورية لحماية المستوطنات وليس كمتطلبات للاحتلال ذاته. لذلك، لو لم تكن هناك مستعمرات، لما كانت هناك حاجة لكثير من المنشآت العسكرية. لذا فان هذه المنشآت العسكرية غير قانونية كما هو حال المستوطنات نفسها.
القدس
مع أن وضع القدس كـ (corpus separatum) نص عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181، مارست إسرائيل قبل عام 1967 سلطة واقعية على القدس الغربية بينما مارس الأردن سلطة واقعية على القدس الشرقية. وبعد حرب حزيران 1967، تبنّت إسرائيل إجراءات لدمج القدس الشرقية المحتلة في مدينة موحّدة، وفي عام 1980 سنّت قانوناً يُعلن عن القدس عاصمة لإسرائيل ومقراً للمؤسسات الرئيسية للدولة. ارتقت هذه الإجراءات إلى مرتبة التأكيد عملياً على دمج القدس في دولة إسرائيل. كما عدّلت إسرائيل الحدود البلدية للمدينة لضم المستوطنات الواقعة في ضواحي المدينة إلى حدود المدينة. وقد دان مجلس الأمن بانتظام الإجراءات الإسرائيلية التي تهدف إلى تغيير وضع القدس[7]. كما أوضح مجلس الأمن، ان هذه الإجراءات ليس لها آثار قانونية، وما زالت القدس الشرقية تحتفظ بوضع أراضي محتلة. يتبع ذلك أن القدس تخضع لذات الأنظمة القانونية كما هو شأن بقية الأراضي المحتلة، بما في ذلك واجب الالتزام بمعاهدة جنيف الرابعة والامتناع عن نقل قسم من سكانها إلى الأراضي المحتلة. ترفض إسرائيل التسليم بأن القدس الشرقية هي أراض محتلة ولا تقبل تطبيق معاهدة جنيف عليها أيضاً. بناءاً عليه، فإن نتيجة "الضم" الذي قامت به إسرائيل يعني أن أولئك "الأشخاص المحميين" الذين كانوا يقيمون في القدس الشرقية يخسرون المزايا الواردة في معاهدة جنيف الرابعة. وهذا يناقض بوضوح المادة 47 التي تنص على عدم حرمان الأشخاص المحميين في الأراضي المحتلة من مزايا المعاهدة "بواسطة أي تغيير يتم إجراؤه، نتيجة لاحتلال أراضي، في مؤسسات أو حكومة الأراضي المحتلة". لقد أصبح الموقف أكثر سوءاً لأن إسرائيل وسّعت الحدود البلدية للمدينة لكي تضم المستوطنات التي بُنيت في ضواحي المدينة. مما يعني أن إسرائيل لم تضم فقط تلك المستوطنات، لكنها حرمت أيضاً أعداداً متزايدة من الأشخاص من مزايا معاهدة جنيف. كما سيصبح الموقف أكثر سوءاً إذا طبّق الإسرائيليون "الخطة المتروبولية للقدس"[8].
قرارات مجلس الأمن
شجب مجلس الأمن مراراً وتكراراً سياسة وممارسات إسرائيل في إقامة المستوطنات في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس. هناك ملخّص لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالمستوطنات، بما فيها القرارات التي تُعالج بشكل محدد موضوع القدس في ملحق 2. لقد أوضح مجلس الأمن في مناسبات عديدة أن المستوطنات لا تتمتّع بشرعية قانونية وتُشكّل عقبة خطرة أمام تحقيق سلام شامل، عادل ودائم في الشرق الأوسط. كما دان مجلس الأمن السياسات والممارسات الإسرائيلية في نقل قسم من سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة ممّا أدى إلى تغيير الوضع القانوني، الصفة الجغرافية والتكوين الديمغرافي للأراضي "كانتهاك صارخ" لمعاهدة جنيف الرابعة. شجب مجلس الأمن على نحو خاص حمل واستخدام السلاح من قبل المستوطنين، وعبّر عن القلق من التلويث الخطير للموارد الطبيعية وخصوصاً المياه. حيث دعت كافة الدول إلى عدم تزويد إسرائيل بأية مساعدة تُستخدم للمستوطنات.
مبادئ أخرى ذات علاقة بالقانون الدولي
هناك على الأقل ثلاثة مبادئ في القانون الدولي ذات صلة بالمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة: (1) عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة؛ (2) مبدأ أن على الدول حل نزاعاتها بالوسائل السلمية والنتيجة بأن على الدول الامتناع عن القيام بأعمال يمكن أن تزيد الوضع سوءاً، وتُصعّب أو تُعيق الحل السلمي للنزاع؛ (3) ومبدأ أن الدول يجب أن لا تتخذ أي إجراء يحرم الشعوب من حقّها في تقرير المصير.
عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة: هذا مبدأ أساسي في القانون الدولي. فهو ناشئ عن الحظر على استخدام القوة الوارد في المادة 2(4) من ميثاق الأمم المتحدة ومبدأ أن الدول لا تستطيع الحصول على حقوقها القانونية من أعمال أحادية لا تتوافق مع القانون الدولي. ورد هذا المبدأ في إعلان العلاقات الودية[9] على النحو التالي:
"سوف لن تكون أراضي الدولة هدفاً للاحتلال العسكري الناتج عن استخدام القوة في انتهاك لبنود الميثاق. سوف لن تكون أراضي أية دولة هدفاً لاستيلاء دولة أخرى عليها نتيجة للتهديد باستخدام القوة أو استخدامها. سوف لن يتم الاعتراف بأي استيلاء على الأراضي ناتج عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها على أنه قانوني"[10].
تعني الإشارة إلى المبدأ في المقدمة حول قرار مجلس الأمن رقم 242 وجوب أن يتم تفسير القرار في ضوء المبدأ. هذا يتضمّن، قبل كل شيء، الفقرة الأولى التي تدعوا إسرائيل للانسحاب من "أراضي"[11] احتلت في صراع عام 1967. تنتهك سياسة إسرائيل الاستيطانية هذا المبدأ من حيث أنها مصمّمة على تدعيم السيطرة الإسرائيلية على الأراضي التي تقع فيها المستوطنات، بهدف فرض السيادة عليها في وقت ما في المستقبل. وباستثناء المستوطنات التي تقع الآن داخل الحدود البلدية الموسعة للقدس، والتي لم يحصل ضم رسمي للأراضي التي تقع عليها كجزء من إسرائيل، إلاّ أنه تتم إدارتها وكأنها جزء من إسرائيل. فهي تقع تحت السيطرة المباشرة لدولة إسرائيل، وينطبق عليها القانون الإسرائيلي، ويوجد للمحاكم الإسرائيلية صلاحية عليها، وتتولّى إسرائيل المسؤولية عن أمنها وتدّعي "السيادة" على سكّانها. ليس من الواضح إذا كانت إسرائيل تعتبر الأراضي التي تقع فيها المستوطنات ما زالت أراضي تحت الاحتلال أم أنها تتمتّع بشيء من السيادة. ومهما كان الموقف الذي يتخذه الإسرائيليون بشأن الأراضي التي تقع فيها المستوطنات، يبقى موقف المجتمع الدولي أن وضعها لا يختلف عن وضع بقية الأراضي المحتلة التي يجب على إسرائيل الانسحاب منها وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 242. وفيما يتعلّق بالقدس (أنظر الفقرة 12 أعلاه)، تمادت إسرائيل بصورة أكبر وضمّت القدس الشرقية إلى إسرائيل. بعد أن وسّعت إسرائيل فيما بعد الحدود البلدية للقدس لتشمل المستوطنات في الضواحي، ضمّت إسرائيل فعلياً هذه المستوطنات واعتبرتها جزءاً من أراضيها.
ضرورة عدم تفاقم الوضع: في إدانتهم لسياسات إسرائيل الاستيطانية، أوضحت الأمم المتحدة، اللجنة الدولية للصليب الأحمر والاتحاد الأوروبي دائماً أن المستوطنات غير قانونية وتُمثّل عقبة خطيرة أمام تحقيق سلام "شامل، عادل ودائم في الشرق الأوسط". السبب في ذلك واضح جداً – بناء وتوسيع المستوطنات يُؤثر، وفي حقيقة الأمر يُقصد منه التأثير على مفاوضات الحل السلمي النهائي. والسؤال الذي يبرز هو هل على إسرائيل أي التزام قانوني بعدم اتخاذ أي إجراء يُؤثر على حل النزاع قي الشرق الأوسط أو يجعله أكثر صعوبة. من المؤكّد أن على إسرائيل التزاماً قانونياً بعدم زيادة الوضع سوءاً. وهذا يرتكز على الالتزام الواضح المفروض على كافة أعضاء الأمم المتحدة في المادة 2(3) من الميثاق "لحل نزاعاتها الدولية بالوسائل السلمية بالطريقة التي لا تهدد السلام والأمن والعدل في العالم". هذا المبدأ هو أحد المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها ميثاق الأمم المتحدة، ويمكن القول بأنه اكتسب وضع الحق الدامغ (jus cogens). ونتيجة لذلك المبدأ سيتوجب على الدول أيضاً، وفقاً للقانون الدولي، الامتناع عن القيام بالأعمال التي تجعل الحل السلمي للنزاع أكثر صعوبة. ورد هذا المبدأ في إعلان العلاقات الودية لعام 1970 الذي يوضح: أن "الدول الأطراف في نزاع دولي، وكذلك الدول الأخرى، ستمتنع عن القيام بأي عمل يمكن أن يُفاقم الوضع لدرجة تهديد الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وستتصرّف وفقاً لأهداف ومبادئ الأمم المتحدة".
تكرّر ذكر هذا المبدأ بصورة مطابقة تقريباً في الفقرة الثامنة من إعلان مانيلا حول الحل السلمي للنزاعات السلمية الذي تبنته الجمعية العامّة بالإجماع في 15 تشرين الثاني 1982[12]. لا شك بأن سياسات إسرائيل الاستيطانية فاقمت الوضع وجعلت حل النزاع أكثر صعوبة. وفي ضوء المبادئ الواردة في إعلان العلاقات الودية وفي أماكن أخرى، نستطيع القول بأن هذه السياسة تنتهك التزامات إسرائيل القانونية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.
حق تقرير المصير: الكتّاب المعاصرون في القانون الدولي متفقون على أن حق الشعوب في تقرير المصير هو أكثر من مجرّد هدف: فهو حق قانوني وأحد حقوق الإنسان الأساسية. من المقبول أيضاً كأحد مبادئ القانون الدولي أن الحق يتضمّن أيضاً واجباً على الدول لتعزيز مبدأ تقرير المصير والامتناع عن القيام بأي عمل قسري يحرم شعب من حقه في تقرير المصير (راجع الفقرات ذات العلاقة في إعلان العلاقات الودية تحت عنوان "مبدأ الحقوق المتساوية وحق الشعوب في تقرير المصير")[13]. من المقبول أيضاً لدى الجميع، ما عدا إسرائيل، أن للفلسطينيين الحق في تقرير المصير. وبحرمان الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير، تنتهك إسرائيل التزامها بتعزيز تقرير المصير. وترتبط علاقة هذا المبدأ بقضية الاستيطان من منطلق أن الأراضي الذاتية تعرف بأنها وحدة تقرير المصير. فيما يتعلق بفلسطين، من المفهوم عموماً منذ صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 أن وحدة تقرير المصير تتألف من تلك الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد حرب حزيران 1967. الهدف الأساسي للمستوطنات الإسرائيلية هو في المحصلة النهائية استيعابها في إسرائيل، وبذلك تغيير الوضع المنفصل والمميّز للأراضي التي تقع عليها. هناك أيضاً دليل على أن هدف السياسات الاستيطانية الإسرائيلية هو أيضاً تقسيم وحدة تقرير المصير وجعلها أقل قدرة على التحقق والبقاء ككيان سياسي واقتصادي، وبذلك ضمان عدم قيام دولة فلسطينية أبداً[14]. وباتخاذ إجراءات لاستيعاب جزء من وحدة تقرير المصير في إسرائيل وتفتيت ما تبقّى ليصبح غير قادر على البقاء اقتصادياً وسياسياً، تُحبط إسرائيل فعلياً حق الشعب الفلسطيني في ممارسة تقرير المصير (والذي يتضمّن، في حالة اختيارهم ذلك، الحق في إقامة دولة مستقلة وذات سيادة). وبإحباط عنصر أساسي في ممارسة تقرير المصير، تنتهك السياسات والممارسات الاستيطانية لإسرائيل حقوق الإنسان الأساسية وميثاق الأمم المتحدة.
حجج إسرائيل تبرير للسياسات الاستيطانية التي تتبعها
هناك قول بأن تبرير إسرائيل القانوني لسياساتها الاستيطانية يبدو مُرتكزاً على المقدمة المنطقية بأن إسرائيل لها حق موازي لحق الفلسطينيين للاستيطان في الأراضي المحتلة. هناك قول بأن الانتداب على فلسطين الذي تبنته عصبة الأمم والذي اعترف بحق اليهود في أن يكون لهم وطن "والاستيطان" في فلسطين لم يحدّد المناطق التي سيتم فيها الاستيطان. إضافة إلى ذلك، فإن حق الاستيطان لم ينقضِ بانتهاء وجود عصبة الأمم وتأسيس الأمم المتحدة وانتهاء الانتداب البريطاني، أو تبني الجمعية العامة لخطة التقسيم لغرب فلسطين (قرار الجمعية العامة رقم 181). بعد انتهاء الانتداب البريطاني، لم تكن هناك سيادة لأحد في الأراضي المحتلة. بقيت إسرائيل حرّة في استيطانها وفقاً لحق الاستيطان الذي مُنح للشعب اليهودي في الانتداب الأصلي[15].
تتجاهل هذه الحجّة عن قصد العديد من العوامل المهمّة. في المقام الأول، هناك شك بأن أية بنود للانتداب على فلسطين بقيت مع الانتهاء الفعلي للانتداب بعد استقالة بريطانيا كقوة انتداب وتسليم المسؤولية عن فلسطين إلى الأمم المتحدة. إسرائيل لا يمكنها الانتقاء والاختيار: فإذا بقيت بعض بنود الانتداب، من المرجّح أن البنود الأخرى بقيت أيضاً، بما في ذلك البنود التي ليست في مصلحة إسرائيل (على سبيل المثال حقيقة أن الانتداب وضع تصوراً واضحاً لقيام دولة فلسطينية).
ثانياً، كانت الأراضي المخصّصة للدولة اليهودية المقترحة وفقاً لخطة التقسيم أقل ممّا حصلت عليه إسرائيل بعد انتهاء الحرب، وأقل ممّا استولت عليه بعد حرب حزيران 1967. صحيح أن الأراضي موضع الخلاف كانت في عام 1967 تحت الإدارة الفعلية للأردن، لكن هذا لا يُعطي إسرائيل الحق فيها. تستطيع إسرائيل ادّعاء ملكية الأراضي لو كانت بلا مالك أو كان لإسرائيل حق سيادة كامن فيها. بسقوط هذا الادّعاء، يمكن المجادلة بأن السيادة على الأراضي كانت معلّقة بانتظار إقامة دولة فلسطينية أو آلت إلى الشعب الفلسطيني ريثما تُقام هذه الدولة[16]. تنطبق ذات الحجج فيما يتعلّق بضم إسرائيل المزعوم للقدس الشرقية، مع العلم أن ادعاء إسرائيل أضعف إذا أخذنا في الاعتبار وضع المدينة كـ (corpus separatum). أخيراً، مهما كان الموقف قبل عام 1967، فقد تم الاستيلاء على الأراضي بالقوة، ومبدأ عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة هو مبدأ أساسي في القانون الدولي معترف به على نحو خاص في حيثيات قرار مجلس الأمن رقم 242. ووفقاً لذلك القرار، يتوجب على إسرائيل الانسحاب من (أل) أراضي التي احتلت في صراع عام 1967[17].
قيل أيضاً بأن الإشارة إلى المستوطنات في العديد من الأماكن في الاتفاق الانتقالي تدل على قبول منظمة التحرير الفلسطينية لشرعيتها. لا نستطيع إنكار أن المستوطنات موجودة كأمر واقع. إلاّ أن الإقرار بوجود وضع قائم لا يدل على القبول بشرعيته.
إضافة إلى ذلك، تنص المادة 5(4) في إعلان المبادئ أنه لا شيء يتم الاتفاق عليه خلال المرحلة الانتقالية سيؤثر على نتيجة مفاوضات الوضع الدائم. تؤجّل المادة 31 (5) من الاتفاق الانتقالي على نحو واضح موضوع المستوطنات باعتبارها إحدى القضايا التي ستتم تغطيتها في مفاوضات الوضع الدائم. أخيراً، تنص المادة 31(6) من الاتفاق الانتقالي بأنه لا شيء في الاتفاق يُؤثر على أو يستبق نتيجة مفاوضات الوضع الدائم، وتوضح أيضاً: "سوف لن يُعتبر أي طرف، بحكم دخوله في هذا الاتفاق، أنه شجب أو تخلّى عن أي من حقوقه، مطالباته أو مواقفه". ويتّضح مما سبق أن الادعاء بأن منظمة التحرير الفلسطينية في إتمامها للاتفاق الانتقالي قبلت بشرعية المستوطنات الإسرائيلية ليس له أساس من الصحة.
التعويض عن الخسائر التي سبّبها الاستعمار الإسرائيلي
عموماً، تنطبق مبادئ القانون الدولي ذاتها على مسألة التعويضات عن الخسائر التي سببتها سياسات إسرائيل الاستيطانية، كما تنطبق على الخسائر الأخرى التي سبّبها الاحتلال. المبدأ في القانون الدولي هو أن انتهاك إحدى الدول لواجب دولي يزيد مسؤولية الدولة، ونتيجة لذلك يكون هناك تأسيس جيد لواجب التعويض[18]. ومن حيث المبدأ، هذا يعني أن على إسرائيل واجب دولي لاستعادة حالة الوضع الراهن. وحيث لا يكون هذا ممكناً، يجب أن يتم إصلاح ذلك عن طريق التعويض. وفي حالة المستوطنات غير القانونية، يعني هذا المطلب أن على إسرائيل إزالة المستوطنات والأبنية (ستكون مسألة يتم التفاوض عليها إذا كان يجب إزالة كافة المستوطنات، أو إبقاء بعض الأبنية وعودة المستوطنين إلى إسرائيل). في كثير من الحالات، لن تكون إزالة المستوطنات بحد ذاتها تعويضاً كافياً. من أجل استعادة حالة الوضع الراهن، هناك ضرورة أيضاً لتعويض المالكين الأصليين عن خسارة ممتلكاتهم، وحيث يكون ذلك مناسباً التعويض عن خسارة الأرباح. كما سيتم دفع الفائدة المترتبة على أي تعويضات[19]، والاّ فلن يتم الإيفاء بمطلب أن يكون التعويض كافياً لاستعادة حالة الوضع الراهن.
يجب بحث مسألة التعويض عن الخسائر الناتجة عن الاحتلال، بما في ذلك الخسائر الناتجة عن سياسات وممارسات إسرائيل الاستيطانية، كجزء من مفاوضات الوضع الدائم. وإذا تم القبول بمبدأ التعويض، يجب أيضاً ايلاء اهتمام لوسائل دفع التعويضات. هل يجب أن تكون هناك لجنة مطالبات محايدة تتولّى التحكيم بشأن المطالبات وتقرير حجم التعويض، أم يجب أن يكون التعويض مبلغاً محدداً يُدفع للجانب الفلسطيني الذي يقوم بتوزيع التعويضات كما يكون ملائماً.
ملحق 1
مقتطفات من معاهدة جنيف ذات الصلة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب بتاريخ 12 آب 1949
("معاهدة جنيف الرابعة")
القسم الثالث الأراضي المحتلة
المادة 47
لا يُحرم الأشخاص المحميون الذين يوجدون في أي إقليم محتل بأي حال ولا بأية كيفية من الانتفاع بهذه الاتفاقية، سواء بسبب أي تغيير يطرأ نتيجة لاحتلال الأراضي على مؤسسات الإقليم المذكور أو حكومته، أو بسبب أي اتفاق يُعقد بين سلطات الإقليم المحتل ودولة الاحتلال، أو كذلك بسبب قيام هذه الدولة بضم كل أو جزء من الأراضي المحتلة.
المادة 49
يُحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه.
ومع ذلك يجوز لدولة الاحتلال أن تقوم بإخلاء كلّي أو جزئي لمنطقة محتلة معيّنة، إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية. ولا يجوز أن يترتب على عمليات الإخلاء نزوح الأشخاص المحميين إلاّ في إطار حدود الأراضي المحتلة، ما لم يتعذّر ذلك من الناحية المادية. ويجب إعادة السكان المنقولين على هذا النحو إلى مواطنهم بمجرّد توقف الأعمال العدائية في هذا القطاع.
وعلى دولة الاحتلال التي تقوم بعمليات النقل أو الإخلاء هذه أن تتحقّق إلى أقصى حد ممكن من توفير أماكن الإقامة المناسبة لاستقبال الأشخاص المحميين، ومن أن الانتقالات تجري في ظروف مُرضية من وجهة السلامة والشروط الصحية والأمن والتغذية، ومن عدم تفريق أفراد العائلة الواحدة.
ويجب إخطار الدولة الحامية بعمليات النقل والإخلاء بمجرّد حدوثها.
لا يجوز لدولة الاحتلال أن تحجز الأشخاص المحميين في منطقة مُعرّضة بشكل خاص لأخطار الحرب، إلاّ إذا اقتضى ذلك أمن السكّان أو لأسباب عسكرية قهرية.
لا يجوز لدولة الاحتلال أن تُرحّل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها.
المادة 53
يُحظر على دولة الاحتلال أن تُدمّر أي ممتلكات خاصّة ثابتة أو منقولة تتعلّق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير.
المادة 154
بالنسبة للعلاقات القائمة بين الدول المرتبطة باتفاقية لاهاي المتعلقة بقوانين وعادات الحرب البرية، سواء المعقودة في 29 تموز/يولية 1899 أو المعقودة في 18 تشرين الأول/أكتوبر 1907، والتي تشترك في هذه الاتفاقية، تكمّل هذه الاتفاقية القسمين الثاني والثالث من اللائحة الملحقة باتفاقيتي لاهاي المذكورتين.
مقتطفات من الأنظمة الملحقة باتفاقية لاهاي حول احترام قوانين وعادات الحرب بشأن الأراضي بتاريخ 18 تشرين الأول 1907
("أنظمة لاهاي")
المادة 46
يجب احترام شرف وحقوق العائلة، بما في ذلك حياة الفرد، والممتلكات الخاصة، والمعتقدات الدينية والعبادة.
يجب أن لا تتم مصادرة الممتلكات الخاصّة.
المادة 55
ستعتبر الدولة المحتلة فقط كطرف يُدير وينتفع بالأبنية العامة، الممتلكات العقارية، الغابات والمشاريع الزراعية التي تعود للدولة المعادية، وتقع في الدولة المحتلة. حيث يجب أن تحمي رأسمال هذه الممتلكات، وأن تُديرها وفقاً لقواعد الانتفاع.
ملحق 2
مقتطفات من قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالمستوطنات والقدس
قرار مجلس الأمن رقم 446 (1979) بتاريخ 22 آذار 1979 [تم تبنّيه في الاجتماع رقم 2134 (12-0-3) (ثلاثة ممتنعين عن التصويت هم النرويج، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)]
يُقرّر بأن سياسة وممارسات إسرائيل في إقامة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية والعربية الأخرى المحتلة منذ عام 1967 ليست لها شرعية قانونية وتُشكّل إعاقة خطيرة أمام تحقيق سلام شامل، عادل ودائم في الشرق الأوسط؛ ويدعو إسرائيل مرة أخرى، باعتبارها القوة المحتلة، إلى الالتزام بدقة بمعاهدة جنيف الرابعة لعام 1949، إلغاء إجراءاتها السابقة والامتناع عن القيام بأي عمل يؤدي إلى تغيير الوضع القانوني والطبيعة الجغرافية ويؤثّر مادياً على التكوين الديمغرافي للأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس، وخصوصاً عدم نقل أقسام من سكّانها المدنيين إلى الأراضي العربية المحتلة. يُشكّل لجنة تتألف من ثلاثة أعضاء في مجلس الأمن لفحص الوضع المتعلق بالمستوطنات ويطلب من اللجنة تقديم تقرير إلى مجلس الأمن.
قرار مجلس الأمن رقم 452 (1979) بتاريخ 20 تموز 1979 [تم تبنيه في الاجتماع رقم 2159 (14-0-1) (الولايات المتحدة امتنعت عن التصويت)]
باعتبار أن سياسة إسرائيل في إقامة المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة ليست لها شرعية قانونية وتُشكّل انتهاك لمعاهدة جنيف الرابعة المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب بتاريخ 12 آب 1949، يقبل التوصيات الواردة في تقرير اللجنة؛ ويدعو حكومة وشعب إسرائيل إلى الوقف العاجل لإقامة وبناء ووضع الخطط للمستوطنات في الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس؛ ويطلب من اللجنة، في ضوء كبر حجم مشكلة المستوطنات، المراقبة الدقيقة لتطبيق الحل الحالي وتقديم تقرير بعد ذلك إلى مجلس الأمن.
قرار مجلس الأمن رقم 465 (1980) بتاريخ 1 آذار 1980 [تم تبنّيه في الاجتماع رقم 2203 بالإجماع]
يقبل النتائج والتوصيات الواردة في تقرير لجنة مجلس الأمن (حول المستوطنات)؛ يُقرّر بأن كافة الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير الصفة الطبيعية، التكوين، التركيبة المؤسساتية أو وضع الأراضي الفلسطينية والعربية الأخرى المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس، أو أي قسم منها، ليست لها شرعية قانونية وأن سياسة وممارسات إسرائيل في توطين أقسام من سكّانها ومهاجريها الجدد في هذه الأراضي يُشكّل انتهاك صارخ لمعاهدة جنيف الرابعة ويُشكّل أيضاً إعاقة خطيرة أمام تحقيق سلام شامل، عادل ودائم في الشرق الأوسط.
يُدين بشدّة استمرار إسرائيل وإصرارها على مواصلة هذه السياسات والممارسات ويدعو حكومة وشعب إسرائيل إلى إلغاء هذه الإجراءات، تفكيك المستوطنات الموجودة، وعلى نحو خاص الوقف العاجل لإقامة، بناء ووضع الخطط للمستوطنات في الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس. يدعو كافة الدول إلى عدم تقديم أية مساعدة لإسرائيل يتم استخدامها للمستوطنات في الأراضي المحتلة؛ ويطلب من اللجنة مواصلة فحص الوضع المتعلق بالمستوطنات، التحقيق في التقارير حول التلويث الخطير للموارد الطبيعية، خصوصاً المياه، مع نظرة لضمان حماية هذه الموارد الطبيعية المهمّة للأراضي تحت الاحتلال.
قرار مجلس الأمن رقم 471 (1980) بتاريخ 5 حزيران 1980 [تم تبنيه في الاجتماع رقم 2226 (14-0-1) (الولايات المتحدة امتنعت عن التصويت)]
يُعبّر عن القلق البالغ من السماح للمستوطنين اليهود في الأراضي العربية المحتلة بحمل السلاح وبذلك تمكينهم من ارتكاب جرائم ضد السكّان المدنيين، يدعو إلى التوقيف والملاحقة القانونية لمرتكبي هذه الجرائم ويدين محاولات الاغتيال التي استهدفت حياة رؤساء بلديات نابلس، ورام الله والبيرة. يُعبّر عن القلق البالغ لأن إسرائيل، القوة المحتلة، فشلت في تقديم الحماية الكافية للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة وفقاً لبنود معاهدة جنيف الرابعة؛ يدعو مرة أخرى حكومة إسرائيل إلى احترام والالتزام ببنود المعاهدة وبقرارات المجلس، يدعوا مرة أخرى كافة الدول إلى عدم تقديم أية مساعدة لإسرائيل تُستخدم بشكل محدد للمستوطنات في الأراضي المحتلة؛ ويعيد التأكيد على الضرورة الملحّة لإنهاء الاحتلال الذي طال أمده للأراضي المحتلة التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967، بما فيها القدس.
قرار مجلس الأمن رقم 904 (1994) بتاريخ 18 آذار 1994 [تم تبنيه في الاجتماع رقم 3351 بالإجماع (تم التصويت على المسودة في أقسام منها، مع امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على فقرتين تمهيديتين. لم يتم التصويت على النص ككل)].
يُعيد التأكيد على قراراته ذات الصلة، التي أكّدت على انطباق معاهدة جنيف الرابعة بتاريخ 12 آب 1949 على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حزيران 1967، بما فيها القدس، والمسؤوليات الإسرائيلية المتعلقة بذلك، يُدين بشدة المذبحة المرتكبة في الخليل ضد المصلين الفلسطينيين في الحرم الإبراهيمي بتاريخ 25 شباط 1994 خلال شهر رمضان المبارك، وما تلا ذلك من إزهاق لأرواح أكثر من 50 مدني فلسطيني وإصابة مئات آخرين. يدعو إسرائيل، القوة المحتلة، إلى مواصلة اتخاذ وتطبيق الإجراءات التي تتضمّن مصادرة السلاح بهدف منع أعمال العنف غير القانونية التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون؛ ويدعو إلى اتخاذ إجراءات لضمان سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين في كافة أنحاء الأراضي المحتلة، وكذلك التواجد الدولي أو الأجنبي المؤقت الذي ورد ذكره في إعلان المبادئ في سياق عملية السلام المتواصلة.
يطلب من راعيي عملية السلام، الولايات المتحدة والاتحاد الروسي، إلى مواصلة جهودهم لتنشيط عملية السلام، وتقديم الدعم اللازم لتطبيق الإجراءات المذكورة أعلاه؛ ويعيد التأكيد على دعمه لعملية السلام الحالية، ويدعو إلى تطبيق إعلان المبادئ الذي وقعته حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في 13 أيلول 1993 في واشنطن من دون تأخير.
القرارات المتعلقة بالقدس
قرار مجلس الأمن رقم 252
مجلس الأمن
يُدين عدم التزام إسرائيل بقرارات الجمعية العامة [المتعلقة بالإجراءات والأعمال التي تقوم بها إسرائيل وتهدف إلى التأثير على وضع مدينة القدس]
يعتبر أن كافة الإجراءات والأعمال التشريعية والإدارية التي تقوم بها إسرائيل، بما في ذلك مصادرة ا