المحاولات الأمريكية لإعادة تعريف القضية الفلسطينية وتفكيك القانون الدولي بالقوة - قضية اللاجئين من فلسطين نموذجاً
المحاولات الأمريكية لإعادة تعريف القضية الفلسطينية وتفكيك القانون الدولي بالقوة - قضية اللاجئين من فلسطين نموذجاً
اوراق حقائق
تشرين الأول 30، 2018
"هناك حقيقة واضحة وبسيطة: الضعفاء سرعان ما ينهارون، يتم ذبحهم ويتم اجتثاث ذكرهم من التاريخ(...) وفقط الأقوياء يبقون،عليك أن تكون قوياً هنا (..) لا يمكن لأحد أن يحترمك في هذه البقعة من العالم إن لم تكن قوياً(..) أنت لست مطالباً بشرح موقفك، فقط عليك أن تكون قوياً[1]"
إن جلّ ما هو على الطاولة الأمريكية الإسرائيلية اليوم هو تفكيك وتصفية قضية فلسطين وإعادة تعريف عناصرها، ونقض منظومة القانون الدولي في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وروايتها الأصيلة، وتخريب النظام الدولي برمته باستخدام القوة التي تدعو إليها إدارة ترامب وفريقها. بدأت الجهود لتحشيد الطاقات من أجل تنفيذ هذا الهدف في وقت مبكر بعد صعود ترامب إلى السلطة من خلال حملة ممنهجة تعاونت أطراف عديدة على إطلاقها وتثبيتها في الوعي العالمي، وكان استهداف قضية اللاجئين من فلسطين ووكالة "الأونروا" جزءاً محكماً من هذه الحملة. تقدم هذه الورقة شرحاً ملخصاً للمواقف الأمريكية الرسمية والكونغرس الأمريكي وبعض مؤسسات الفكر الأمريكية المدعومة من اللوبي الإسرائيلي من قضية اللاجئين الفلسطينيين، كما تجدد الورقة طرح الموقف الفلسطيني الثابت فيما يتعلق بحق العودة.
المواقف الأمريكية الرسمية من قضية لاجئي فلسطين 1950-2018:
عرض "جورج ماك" الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية الأمريكية تلخيصاً للموقف الأمريكي من مشكلة اللاجئين بتاريخ 16/2/1950: "إن اهتمامنا باللاجئين، والمبني جزئياً على دوافع إنسانية، له مبررات إضافية. فما دامت مشكلة اللاجئين قائمة وغير محلولة، فإن تحقيق التسوية السياسية سيتأخر، وسيستمر اللاجئون في تشكيل بؤرة طبيعية للاستغلال من قبل العناصر المخربة. إن وجود ثلاثة أرباع مليون لاجئ من العاطلين عن العمل والمعدمين اقتصادياً، هو رقم يفوق عدد الجيوش النظامية في المنطقة، وهؤلاء سيزداد سخطهم مع الزمن، وهذا بحد ذاته يشكل خطراً كبيراً يهدد أمن المنطقة بأسرها، بما في ذلك إسرائيل".[2]
أعدت دوائر الخارجية الأمريكية عام 1954 مشروعاً سرياً لحل الصراع العربي – الإسرائيلي أطلقت عليه اسم عملية "ألفا" جاء فيه بخصوص اللاجئين، أنه يستحيل التوصل إلى سلام شامل في الشرق الأوسط دون إعادة توطينهم من جديد. وأن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم يعتبر قضية حساسة تلزم صياغة ذكية تتضمن توطين 10% من مجموع اللاجئين في كامل أرض إسرائيل الغربية، والباقي يتم استيعابهم في الدول العربية. (المقصود بـ10% المائة ألف لاجئ الذين اقترحت الولايات المتحدة إعادتهم أثناء المباحثات الخاصة باللاجئين عام 1949، والذين وافقت إسرائيل على إعادتهم بشروط معينة، ثم عدلت عن ذلك فيما بعد ولم تعد إليه)،[3] وينص المخطط على اقتراح لتعويض اللاجئين عن ممتلكاتهم بشرط أن يتم هذا التعويض، عبر إسرائيل، وبتمويل الدول الغربية الكبرى.[4]
لقد جرى التأكيد على هذا الموقف الأمريكي مرة أخرى عام 1970، ففي تلك السنة بعث الرئيس الأمريكي السابق نيكسون رسالة توضيحية إلى رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير، بخصوص موافقة الولايات المتحدة على القرار (194) الخاص بعودة اللاجئين جاء فيه ما يلي:“إن الولايات المتحدة عندما تؤيد القرار (194) فإنها تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية والطابع اليهودي لإسرائيل”.[5]
طرحت الولايات المتحدة بصورة غير مباشرة مشاريع لتوطين اللاجئين في البلدان العربية على غرار مشروع "لاودر ميلك" مساعد رئيس هيئة الحفاظ على البيئة الأمريكية، والذي هدف مشروعه إلى ريّ النقب من أجل استيعاب ملايين المهاجرين اليهود الجدد، والدعوة إلى ترحيل الفلسطينيين إلى العراق وتوطينهم هناك[6]. بالإضافة إلى مشروع "كلاب" (عام 1952)، ومشروع جونستون (1953-1955) فيما يضمن نقل عبء إعالة اللاجئين الى الحكومات المضيفة، والاستفادة من أموال وكالة الغوث (الأونروا) في دمج الفلسطينيين في اقتصاديات الدول المضيفة، إلا أن المشروع قوبل برفض قاطع من قبل اللاجئين، والدول المضيفة التي تعتبر قضية اللاجئين مسؤولية دولية وليست عربية.
في عام 1953 تابعت الولايات المتحدة جهودها من خلال وزير خارجيتها "جون فوستر دالاس" (صاحب المقولة الشهيرة: الكبار يموتون والصغار ينسون) وأورد في تقرير زيارته عن اللاجئين مايلي: "تستطيع غالبيتهم بصورة أجدى أن تُدمج في حياة البلدان العربية المجاورة، بيد أن هذا يعتمد على مشاريع يمكن بواسطتها استثمار أراضٍ جديدة". [7] ومن أجل تطبيق اقتراح "دالاس" أوفد الرئيس "آيزنهاور" مبعوثه "جونستون" الذي قام بجولات عدة في المنطقة، خلال الفترة (1953-1955)، من أجل عقد صفقة تتضمن تصفية قضية اللاجئين بتوطينهم، وقد قوبل بغضب شعبي عارم.[8]
دعت إدارة جورج بوش الأب 1989-1993 إلى حلّ عادل لقضية اللاجئين وأشارت هذه الإدارة إلى "حل عادل لمشكلة اللاجئين".[9] وبعد سنوات عديدة من التعاون المشترك، نجحت إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة بموجب قرار 46/86 عام 1991 في إلغاء قرار الجمعية العامة 3379 الذي يحدد الصهيونية بأنها شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، والذي طالب أيضاً جميع الدول في حينها بمقاومة الأيدولوجية الصهيونية التي وحسب القرار تشكل خطراً على الأمن والسلم الدوليين. وتسعى اليوم بمساعدة الولايات المتحدة أيضاً إلى إلغاء القرار الأممي 194، بما يتضمن إلغاء صفة اللاجئ، وحق العودة.
أكدت إدارة بيل كلينتون 1993-2001 أنه ينبغي إيجاد حلّ لقضية اللاجئين من خلال مفاوضات الحلّ النهائي، حيث قررت هذه الإدارة عدم التصويت للتجديد السنوي للقرار 194 في عام 1993، وأوضحت أن مثل هذه القضية يجب حلها من خلال المفاوضات وليس من خلال قرار.[10] ودعا مندوبها في نفس الجلسة إلى "تقييد أو إنهاء نشاط الأمم المتحدة في ما يخص إسرائيل وفلسطين"، واعتبار قرارات الأمم المتحدة السابقة بهذا الشأن "لاغية ومنطوية على مفارقة تاريخية"، وأنه "من غير المثمر مناقشة قانونية القضية". علماً أن إدارة كلينتون قد قررت في وقت لاحق التصويت ضد القرار، هذا في الوقت الذي قادت به حرباً شنها المجتمع الدولي في تسعينيات القرن الماضي ضد صربيا لتطبيق حق أهل كوسوفو في العودة إلى ديارهم، لكنها دعت إلى إلغاء حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم.
أما إدارة جورج بوش الإبن 2001-2009، فأكدت أنه ينبغي إيجاد حلّ لقضية اللاجئين من خلال المفاوضات، وتناولت هذه الإدارة مشكلة اللاجئين وحلها من خلال "حلّ متفق عليه وعادل وواقعي".[11]
قامت إدارة باراك أوباما 2009-2017: بالتأكيد على موقف الإدارات السابقة في إيجاد حل عادل من خلال مفاوضات الحلّ النهائي. وقد أعربت هذه الإدارة عن فكرة أن "اللاجئين الفلسطينيين لن يعودوا إلى إسرائيل ولكن إلى دولة فلسطينية مستقبلية عندما/ فيما إذا ما أقيمت".[12] حيث كتب مستشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما "دنيس روس"، أثناء توليه دائرة التخطيط بوزارة الخارجية في كتابه "فن الحكم": "للفلسطينيين حق عودة لاجئيهم إلى الدولة الفلسطينية، وليس إلى إسرائيل".
إدارة دونالد ترامب 2017- حتى الآن: تحاول هذه الإدارة تفكيك "الأونروا" من أجل إخراج قضية اللاجئين من أية مفاوضات مستقبلية وفرض حل سياسي لا يتضمن كلاً من قضيتي القدس واللاجئين التين تُعتبرا ركيزة أي حل سياسي عادل ودائم، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في آب 2018 عن قرارها قطع المساعدات عن "الأونروا"، ونزع صفة اللجوء عن أبناء وأحفاد اللاجئين الفلسطينيين.
مؤسسات الفكر الأمريكية Think Tanksشريكاً في محاولة إلغاء حق العودة وتفكيك الأونروا:
(إن لم تستطع حلَّها فقم بحلِّها- If you can’t solve it, then dissolve it)
تحت هذا الشعار الذي اعتمده كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية في خمسينيات القرن الماضي يمكن تلخيص جميع الأعمال والتوصيات التي خلصت إليها مؤسسات الفكر الأمريكية Think Tanks المدعومة من قبل اللوبي المؤيد لإسرائيل والموالية لها من خلال تقديم التصورات والرؤى إلى البيت الأبيض والكونغرس الأمريكي لصياغة لمشاريع قوانين وقوانين تهدف لوقف التمويل عن الأونروا وإنهاء عملها.
من أبرز تلك المؤسسات، المؤسسسة الأمريكية المحافظة American Enterprise Institute for Public Policy Research والتي قدمت توصيات لمنع تمويل "التطرف الفلسطيني"، ومؤسسة Heritage Foundation التي قدمت العديد من التوصيات والسياسات "لجعل الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي يمنعان التمويل عن "الأونروا" والدعوة إلى فتح تحقيق في كيفية إنفاق أموال المانحين. وبالإضافة إلى حجب الأموال أوصت المؤسسة أن تقوم الولايات المتحدة بالإعلان أن "الأونروا" التي تأسست عام 1949 هي مفارقة تاريخية مُكلفة ويحب إغلاقها في المستقبل القريب". [13]
مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات The Foundation for Defense of Democracies “FDD” هي منظمة خليفة لمجموعة تسمى EMET (العبرية من أجل الحقيقة) وهي المبادرة التعليمية التي تم تأسيسها في عام 2001 "من أجل توفير التعليم لتعزيز صورة إسرائيل في أمريكا الشمالية وفهم الجمهور للقضايا التي تؤثر على العلاقات العربية الإسرائيلية". أما مؤسسة FDD فهي تؤثر على سياسات البيت الأبيض تجاه منطقة الشرق الأوسط، وقد أوصت بتخفيض عدد اللاجئين الفلسطينيين واصفة إياهم بأنهم "يعيشون على الرفاهية الدولية مع أمل زائف بأنهم سوف يستقرون في يوم ما في إسرائيل". تحصل المؤسسة على تمويلها من قبل الجهات المانحة الموالية لإسرائيل وأبرزهم الملياردير اليهودي الأمريكي "شيلدون أديلسون" الذي يملك نفوذاً واسعاً في الكونغرس ومجلس الشيوخ وداعم مهم للجمهوريين وقد تبرع بمبلغ يفوق مليون ونصف دولار للمؤسسة، و"برنارد ماركوس" مؤسس الـ Home Depot ، والذي تبرع بمبلغ 10.7 مليون دولار للمؤسسة، و"بول سنجر" الذي تم تحديده باعتباره ثاني أكبر مساهم ومساند لإسرائيل، بمبلغ 3.6 مليون دولار وغيرهم[14].
محاولات الكونغرس الأمريكي تصفية قضية اللاجئين والأونروا [15]
إن الترتيب الذي أعدّه بعناية فريق ترامب "للسلام" للتخلص من قضية اللاجئين الفلسطينيين لم يكن وليدة صدفة أو جهل في التاريخ والقانون الدولي فقط، وإنما كان ثمرة جهود طويلة ومضنية من الحملات التي شارك بها نواب في الكونغرس من الموالين لإسرائيل وتلقوا خلالها الدعم المالي المباشر من اللوبي المؤيد لها:
من أبرز أولئك النواب إيريك كانتور، رئيس فريق عمل الكونغرس حول الارهاب والحرب غير التقليدية، وتوم لانتوس، لجنة العلاقات الدولية، وإليانا روس-ليهنتين رئيسة اللجنة الفرعية لمجلس النواب المعني بالشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وجو كنولينبرغ من لجنة الاعتمادات الغربية المعنية بالعمليات الخارجية، وإيليوت رانجل من اللجنة المعنية بالعلاقات الدولية. من الجدير بالذكر أن إيليانا روس-ليهينتين ولانتوس وكانتور كانوا من بين العشرة الأوائل الذين حصلوا على أموال المؤيدين لإسرائيل في دورة انتخابات الكونغرس لعام 2004، أما إنجل ولانتوس كانا من بين المتلقين العشرة الأوائل لهذه المنح. [16]
انخرط الكونغرس في العام 2001 بالعمل المثابر والجاد من أجل حظر تمويل ودعم السلطة الفلسطينية بما يشمل "الأونروا"، ووضع مشاريع قوانين وتعديلات تمهد لتثبيت فكرة توطين لاجئي فلسطين في البلدان المضيفة وفي الدول العربية الأخرى، أو دول أطراف ثالثة راغبة في المساعدة في خطة لدفع الدول المانحة أن تقوم بالجهود المثلى من أجل إعادة توطين اللاجئين من فلسطين بشكل دائم.
كان من أبرز هذه القوانين على سبيل المثال قانون "نزاهة الأونروا" في عامي 2004-2006 والذي يشترط تقديم تقرير حول مدى استفادة اللاجئين الفلسطينيين ومصالح الولايات المتحدة الأمنية من خلال أنشطة وكالة الأونروا، وحول خطة وزير الخارجية طويلة الأمد لتوفير فرص العمل والاسكان للاجئين الفلسطينيين والتخلص التدريجي من الخدمات التي تقدمها "الأونروا".
أدخلت السناتور إليانا روس- ليهينتين تعديلات على قانون "المساءلة والشفافية للأمم المتحدة وإصلاح قانون لعام 2007"، في الوقت الذي أُلقيت فيه بيانات قوية من قبل السناتور كيرت ويلدون على سبيل المثال أكد فيها "أن العديد من اللاجئين ليسوا بلاجئين ولا صلات تربطهم بالأرض التي تسمى فلسطين، ويجب أن تُحل قضاياهم عن طريق إعادة توطينهم بغض النظر إن وجد حل رسمي للصراع العربي الإسرائيلي أم لم يوجد". وكذلك السناتور غاري أكرمان الذي قدم خطاباً بعنوان "وجهان لعملة واحدة – اللاجئون اليهود واللاجئون الفلسطينيون".
في عامي 2009-2010 تم تقديم مشاريع قانون تطلب إعادة تعريف "اللاجئين من فلسطين" وتقليص أعدادهم، وتسليم مسؤولية "الأونروا" إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وهو مشروع قانون " المحاسبة الإنسانية للأنروا"
جرى التأكيد على تلك التعديلات من قبل السناتور مارك كيرك عام 2011-2012 وهدف التعديل إلى التأكد أنه "حين الوصول إلى محادثات الوضع النهائي بين إسرائيل وفلسطين -وإن وصلت-أن لا يكون هناك قضية للاجئين كمشكلة مطروحة لحلها أصلا".
كان مارك كيرك وآخرون يحاولون استغلال أرقام اللاجئين ومسألة التعريف من أجل تقليص تمويل الأونروا في وقت لاحق. وقامت إيليانا روس ليهاتينين وبدعم 141 من المشاركين من الحزب الجمهوري بتقديم صيغة مشروع قانون "إصلاح ومحاسبة وشفافية الأمم المتحدة لعام 2011" على أن تقوم الولايات المتحدة بالضغط على دول أخرى لوقف تمويل الأونروا، والتعامل مع مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
في عامي 2015-2016 تم تقديم النسخة الأخيرة من قانون "مكافحة التحريض والإرهاب"، يدعو إلى نزع تعريف اللاجئ حسب "الأونروا"، وتحويل مسؤوليات "الأونروا" إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
في عامي (2017-2018) قام السناتور يونغ بتقديم مشروع قانون يعرف باسم "قانون شفافية المناهج التعليمية للسلطة الفلسطينية يطالب "وزير الخارجية بتقديم تقارير سنوية لمراجعة المواد التعليمية التي تستخدمها السلطة الفلسطينية أو منظمة الأونروا". وطالب أن يقدم وزير الخارجية إلى لجان الكونغرس المختصة تقريراً عن سياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالأونروا، بما في ذلك خطط التمويل والإصلاحات المطلوبة من الأونروا لتحسين المساءلة واستدامة الخدمات والتغييرات في سياسة الولايات المتحدة تجاه الأونروا. ولدى وضع مثل هذا التقرير، يجب على الوزير أيضا أن يتضمن تقييماً لما يلي: (1) التعريف الحالي للاجئين الفلسطينيين الذي تستخدمه الأونروا، وكيف يتوافق هذا التعريف مع/ أو يختلف عن الممارسة المعتادة التي تستخدمها المفوضية، وغيرها من وكالات الأمم المتحدة، وحكومة الولايات المتحدة، وما إذا كان هذا التعريف يعزز احتمالات تحقيق سلام دائم في المنطقة واستدامة عمليات "الأونروا"، (2) أية إصلاحات تم تقديمها، أو من المقرر تقديمها، إلى الأمم المتحدة أو "للأونروا"، وما إذا كانت هذه الإصلاحات شرطاً للتمويل في المستقبل، (3) التزام "الأونروا" وقدرتها على ضمان (أ) الشفافية المالية والكفاءة والإشراف على الخدمات و (ب) عدم استخدام موظفي "الأونروا" ومرافقها وموادها لأغراض سياسية أو أنشطة إرهابية، (4) وضع بدائل لمساعدة الفلسطينيين المحتاجين خارج إطار "الأونروا"، (5) تأثير التغييرات على سياسة الولايات المتحدة تجاه تمويل "الأونروا" على الأمن القومي للولايات المتحدة والاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. تُقدم الإستراتيجية بشكل غير مصنف، ولكنها قد تتضمن ملحقاً سرياً."
وقد تم وضع شروط أميركية لإستمرار التمويل الأمريكي "للأونروا" في إحداث تغيير في المناهج الدراسية الفلسطينية دون الإسرائيلية والتزام "الحيادية" من خلال شطب كل ما له علاقة بحق العودة وقضية اللاجئين الفلسطينيينن وإسقاط هوية القدس كعاصمة لدولة فلسطين، وإلغاء كل ما يتعلق بالنضال ضد الاحتلال، وإسقاط تعبيرات ومضامين تاريخية مثل وعد بلفور، والنكبة والاحتلال الإسرائيلي عام 1967 وغيرها، وإلغاء الأنشطة والفعاليات المتعلقة بمناسبات خاصة بالقضية الفلسطينية وعدم التعاطي مع أي نشاط سياسي.
تصريحات أمريكية رسمية تحريضية ضد حق العودة ووكالة "الأونروا":
في لقاء مع دبلوماسيين أوربيين أكد المبعوث الأمريكيي الخاص "لعملية السلام" جيسون غرينبلات أن واشنطن تريد أن تنهي عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، إذ "لا يُعقل أن تظل الوكالة تعمل إلى أبد الدهر، يجب أن نضع تاريخاً محدداً لعملها"، معتبراً أن "الأجيال الجديدة من اللاجئين ليست لاجئة لأنها ولدت في أرض جديدة، وأن الطبخة على النار ولم يبقَ سوى الملح والبهار وأن الجانب الفلسطيني ليس طرفاً يقرر بل الإقليم هو من يقرر".
وقد كشفت مراسلات داخلية مع جيراد كوشنر صهر الرئيس ترامب ومبعوثة "لعملية السلام" عن ما قاله كوشنر بـ"ضرورة بذل جهود مخلصة لتعطيل جهود الوكالة، وأن إتخاد الولايات المتحدة خطوات لتقليص تمويلها تأخر كثيراً".
وقد عبّر خطاب مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي في الكنيست الاسرائيلي في كانون ثاني 2018 عن إزدواجية المعايير التي تنتهجها الولايات المتحدة والتي يزيدها سوءاً تزوير الحقائق حين قال "إن اليهود الذين ظلوا خارج فلسطين لمدة 2000 عام هم وأحفاد أحفادهم لاجئون يحق لهم العودة الى البلاد" ويقصد إسرائيل، وذلك في تناقض صارخ لنفس الدعوة التي تعتبر اليوم أن الفلسطينيين المشرد آباءهم وأجدادهم قسراً قبل سبعين عاماً فقط، والذين ولدوا في بلدان اللجوء تُنزع عنهم صفة اللاجئين.
أعلنت وزارة الخاجية الأمريكية بتاريخ 31 آب 2018 أن "السلطات الأميركية لن تقدم أية مساهمات لمساعدة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بعد الآن، وأنها ستكثف الحوار مع الأمم المتحدة والحكومات المضيفة وأصحاب المصلحة الدوليين حول النماذج الجديدة والنهج الجديد، والتي قد تشمل المساعدات الثنائية المباشرة من الولايات المتحدة والشركاء الآخرين، والتي يمكن أن توفر للأطفال الفلسطينيين اليوم المزيد من الدعم من خلال مسار يمكن الاعتماد عليه نحو غد أكثر إشراقاً".
الموقف الفلسطيني: لا سلام دون عدالة
إن الموقف الفلسطيني ثابت وراسخ في الحفاظ على حقوق شعبنا الفلسطيني غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير والدولة والعودة، ولا يعترف بقرارات إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، وإجراءاتها ولا بقرارات الإدارة الأمريكية الباطلة وغير القانونية.
ويعتبر الموقف الفلسطيني القرارات والخطوات الإسرائيلية والأمريکية الأحادية بشأن قضية اللاجئين الفلسطينيين ووكالة "الأونروا" بلا أية قيمة قانونية أو سياسية، وتفتقد مضامينها التي لا يُجمع العالم والشرعية الدولية عليها، وأن قرارات إسرائيل وإدارة ترامب لا تسمو على هذه المنظومة القانونية والشرعية الدولية، ولا يزال يؤمن بأن المجتمع الدولي لن يسمح بقيام الدول العظمى بتجاوز قرارات الأمم المتحدة وجعلها تفقد مبادئ العدالة والمساواة الإنسانية.
يدين الموقف الرسمي إستهداف إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، وإدارة ترامب للمنظمات الدولية الإنسانية وتفكيك "الأونروا" ، ويعتبرها استهدافاً مباشراً لتفكيك منظمة الأمم المتحدة وشرعيتها والغرض الذي قامت من أجله لتحقيق الأمن والإستقرار الدوليين، ويرفض استخدام المساعدات الإنسانية كأدوات ابتزاز سياسية.
ويعتبر أن حلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين من جذورها الممتدة منذ عام 1948 وإنصافهم يشكل ركيزة أي حل عادل مستقبلي، ويؤكد على الموقف الرسمي الثابت من حق العودة والتعويض وخيارات اللاجئ من فلسطين المبنية على أساس الطوعية والاختيار، وان يُتاح للاجئ من فلسطين الفرصة في اختيار الطريقة التي يريد من خلالها تحقيق حقوقه، والتي تشمل العودة إلى الأراضي التي شرّد منها عام 1948، أو العودة إلى دولة فلسطين وإعادة التوطين فيها، أو الاستيعاب في الدول المضيفة. ويؤكد على إلتزامنا بقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية والمجالس الوطنية التي تؤكد أن حق تقرير المصير يرتكز على حق إقامة الدولة وحق العودة، وهو حق ثابت بمرجعياته الدولية وقرارات الأمم المتحدة، ونتمسك به إنطلاقاً من إيماننا الراسخ بأن منظومة الحقوق لا تتجزأ، وأن وحدة الحقوق الفلسطينية الجامعة التي كفلها لنا القانون الدولي هي التي تعبر عن وحدة شعبنا الوطنية والسياسية والقانونية ووحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية.
ويطالب الموقف الرسمي إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، بالاعتراف بمسؤوليتها القانونية والسياسية عن نكبة شعب فلسطين والاعتذار الرسمي له، والشروع فوراً بإنفاذ القرار الأممي 194.
ويطالب الإدارة الأمريكية بالتراجع الفوري عن قراراتها الأحادية المخالفة للقانون الدولي والمؤيدة لإطالة أمد الاحتلال ، والانضمام إلى الأسرة الدولية، والعمل على إنهاء الاحتلال واستثمار الجهود والوقت لصالح تعزيز فرص السلام.
يطالب الأمم المتحدة بعقد مؤتمر دولي لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي، ووضع آليات لتنفيذ قراراتها والعمل على تعليق عضوية إسرائيل فيها باعتبارها دولة "أبارتايد"، واتخاذ إجراءات عملية لترجمة القرارات التي اُتخذت لصالح قضية فلسطين وبخاصة قرار الجمعية العامة 194 لعام 1948 وقرار مجلس الأمن 237 لعام 1967.
يشيد الموقف الرسمي بصمود أبناء شعبنا، ويؤكد بأنه راسخ متجذر في أرضه كما فعل أجداده وأباؤه منذ آلاف السنين، وكما يفعل أبناؤه اليوم للدفاع عن وجودهم التاريخي على هذه الأرض، وحقهم في تقرير المصير وحقهم الطبيعي بالضال ضد الاستعمار.
[1] سفير الولايات المتحدة الأمريكية في إسرائيل ديفيد فريدمان خلال لقاء له مع نواب يهود في الكونغرس الأمريكي" نقلا عن صحيفة هآرتس 1 أيلول 2018". س
[2] وليد الجعفري، “وثائق الخارجية البريطانية للعام 1955“،الحلقة الأولى، مجلة “المجلة”، لندن، العدد 312 (29/1/1986).
[3] الباحث نعيم ناصر: اللاجئون الفلسطينيون بين حق العودة ومشاريع التوطين- مركز الأبحاث- منظمة التحرير الفلسطينية.