تستعرض هذه الورقة مواقف الأحزاب الإسرائيلية من اتفاق أوسلو وحل الدولتين وعملية التسوية السياسية. وتستند الورقة على قراءة البرامج الحزبية المنشورة للأحزاب الإسرائيلية، وخطابات قادتها، وانماط تصويتها في محطات سياسية مختلفة، بالإضافة الى تحليل معمق لهوياتها السياسية والأيديولوجية.
لقد كان توقيع اتفاق أوسلو ما بين الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، من أكثر الأحداث السياسية أهمية في إسرائيل. فقد ترك الاتفاق تصدعات داخلية عميقة ما بين الأحزاب الإسرائيلية الفاعلة في حينها، ولا يزال واحد من أهم الأحداث التي تولد باستمرار أزمات وجدالات سياسية. وبينما ان المشهد السياسي-الحزبي في العام 1993 كان منقسما ما بين مؤيد ومعارض لتوقيع الاتفاق، فأن اتفاق أوسلو تحول عبر السنوات الى "امر واقع"، ويحظى باعتراف دولي، وأصبح على كل الأحزاب السياسية في إسرائيل، سواء مؤيدة او معارضة للتسوية السياسية ان تتعامل وفقه، وبناء على مخرجاته. من هنا، لا بد من التمييز ما بين موافقة/معارضة الأحزاب السياسية الإسرائيلية على العملية السلمية (وهو سؤال يعود الى فترة التسعينيات)، وما بين كيفية تعاملها مع اتفاقيات أوسلو ومخرجاتها باعتبارها أمر واقع لا يمكن تجاهله او التنكر له (وهو سؤال يتعلق بالمرحلة الراهنة). أهم هذه الوقائع التي فرضتها اتفاقيات أوسلو على الأحزاب الإسرائيلية هي وجود السلطة الوطنية الفلسطينية كدولة تتولد (state in the making)، وتدير شؤون أكثر من 4.5 مليون فلسطيني، ويتم الاعتراف بها دوليا بأنها مشروع بناء دولة وليس مجرد سلطة حكم ذاتي كما نصت اتفاقيات أوسلو خلال المرحلة الانتقالية. بيد أن السلطة الوطنية الفلسطينية استطاعت ان تحصل على سلطة حكم ذاتي فقط على حوالي 39٪ من مساحة الضفة الغربية بالإضافة الى قطاع غزة، بينما ان إسرائيل مضت وبلا هوادة في توسيع استيطانها على الأراضي "ج" والتي تمثل حوالي 61٪ من مساحة الضفة الغربية بالإضافة الى القدس المحتلة.