- غرفة الإعلام
- المقالات
- إسرائيل عليها الاختيار الأرض أو السلام، الرئيس...
إسرائيل عليها الاختيار الأرض أو السلام، الرئيس جيمي كارتر
إسرائيل عليها الاختيار الأرض أو السلام، الرئيس جيمي كارتر
واشنطن بوست،
السبب الرئيسي لفشل العمل الدبلوماسي الأمريكي على مدى سنوات وتواصل العنف في الشرق الأوسط هو أن بعض الزعماء الإسرائيليين مستمرّون في "خلق حقائق" عن طريق بناء المستوطنات في أراضي محتلة. فبنائها المتعمّد كجزر أو قلاع داخل المناطق الفلسطينية يجعل المستوطنين عُرضة للهجوم ما داموا من دون حماية عسكرية كبيرة، ويُسبب الإحباط للإسرائيليين الذين يسعون للسلام، ويمنع في ذات الوقت أية حكومة فلسطينية من التمتّع بوحدة وتواصل أراضيها.
في كامب ديفيد (أيلول 1978)، أمضينا أنا والرئيس أنور السادات ورئيس الوزراء مناحيم بيغن معظم وقتنا في بحث هذه القضية قبل أن نتّفق في النهاية على شروط السلام بين مصر وإسرائيل وحل القضايا المتعلقة بالشعب الفلسطيني. أدّت البنود الثنائية إلى معاهدة شاملة ودائمة بين مصر وإسرائيل، والتي صار ممكناً التوقيع عليها بعد أن وافقت إسرائيل في اللحظة الأخيرة على سحب مستوطنيها من سيناء. لكن لم يتم احترام اتفاقيات مماثلة حول وضع الضفة الغربية وغزة، وأدّت إلى استمرار العنف والمواجهات.
الأساس لكل مقترحاتي للزعيمين كان الموقف الرسمي لحكومة الولايات المتحدة، بناءاً على القانون الدولي الذي قبلته الولايات المتحدة، ومصر، وإسرائيل ودول أخرى بصورة مشتركة ووفقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 242. إن الالتزام القانوني لحكومتنا بدعم هذا القرار المتوازن لم يتغيّر.
مع أن القبول بالقرار رقم 242 كان مثار نزاع في كامب ديفيد، أقرّ رئيس الوزراء بيغن في النهاية بانطباقه "بكل أجزاءه". ويؤكّد نص القرار على "عدم جواز الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب وضرورة العمل لتحقيق سلام عادل ودائم تتمكّن من خلاله كل دولة في المنطقة من العيش بأمن". فهو يطلب "انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في الصراع الأخير [1967]" وحق كل دولة في المنطقة "بالعيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها من دون تهديدات أو استخدام للقوة".
كان واضحاً أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة تنتهك بصورة مباشرة هذا الاتفاق، وهي وفقاً للموقف الأمريكي القديم "غير شرعية وعقبة أمام السلام". بناءاً عليه، تعهّد رئيس الوزراء بيغن بعدم إقامة مستوطنات جديدة إلى أن يتم إكمال مفاوضات السلام النهائية. لكن فيما بعد وبضغط من حزب الليكود رفض بيغن أن يفي بهذا التعهّد قائلاً أن افتراضه كان أن محادثات السلام ستنتهي خلال ثلاثة أشهر.
كان هناك بعض البنود البارزة في اتفاقيات كامب ديفيد التي تعلّقت بالحكم الذاتي الفلسطيني واحتلال الأرض. كان العنصر الرئيسي أن "الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية ستنسحب حالما يجري انتخاب حر لسلطة حكم ذاتي من قبل السكان في هذه المناطق للحلول مكان الحكومة العسكرية الموجودة". بدأت هذه المرحلة الانتقالية بانتخابات في الأراضي المحتلة في كانون الثاني 1996 وافق عليها الفلسطينيون والحكومة الإسرائيلية وبرقابة من مركز كارتر. لقد تم انتخاب 88 عضوا في المجلس الفلسطيني وياسر عرفات كرئيس. عقد هذا المجلس محدود الصلاحيات أولى جلساته في آذار 1996.
كما تم الاتفاق على أنه حالما يتم تأسيس سلطات ومسؤوليات سلطة الحكم الذاتي، "سيكون هناك انسحابا للقوات الإسرائيلية وإعادة انتشار لما تبقّى منها في مواقع أمنية محددة".
لقد قرّرنا في مستهل محادثات كامب ديفيد أنه سيكون من المستحيل حل مسألة السيادة على القدس الشرقية، لكننا اقترحنا الفقرة التالية المتعلقة بالمدينة، والتي توصلنا بشأنها إلى اتفاق تام: "القدس مدينة السلام مقدّسة لكل من الديانة اليهودية، والمسيحية والإسلام، ويجب أن يكون لكل الشعوب حرية وصول إليها والتمتّع بحرية العبادة وحق الزيارة والوصول إلى الأماكن المقدسة من دون تمييز. ستكون الأماكن المقدسة التابعة لكل ديانة تحت إدارة وسيطرة ممثليها. سيقوم مندوب عن المجلس البلدي الذي يمثل سكان المدينة بالإشراف على الوظائف الأساسية في المدينة مثل المؤسسات العامة، النقل العام والسياحة وسيضمن محافظة كل جالية على مؤسساتها الثقافية والتعليمية".
لكن وفي اللحظة الأخيرة وبعد عدة أيام من القبول الجماعي، اتفق السادات وبيغن على أن هناك ما يكفي من العناصر المثيرة للجدل في الاتفاقيات وطلبا على الرغم من استمرار دعم الجانبين لها بأن يتم حذف الفقرة السالفة من النص الأخير. عِوضاً عن ذلك، تبادل الزعماء الرسائل وعبّروا عن المواقف القانونية لحكوماتهم بشأن وضع القدس الشرقية. اختلفوا على السيادة بالطبع، لكنهم أكّدوا وجوب عدم تقسيم المدينة.
وفقاً لما اتفق عليه، أعلمْتهم بأن "موقف الولايات حول القدس يبقى كما أوضحه السفير آرثر غولدبيرغ في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14 تموز 1967، وفيما بعد كما عبّر عنه السفير تشارلز يوست في مجلس الأمن بتاريخ 1 تمّوز 1969". حيث، اعتبرت هذه التصريحات القدس الشرقية جزءاً من الأراضي المحتلة مع الضفة الغربية وغزة.
تم التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد من قبل الزعماء الثلاثة بكثير من الصخب والحماس. تعانق الرئيس السادات ورئيس الوزراء بيغن بحرارة في حفل البيت الأبيض، وتمّت المصادقة على الوثيقة النهائية من قبل الغالبية العظمى لأعضاء البرلمان في بلديهما.
مع تقلّد الرئيس رونالد ريغان لمهام منصبه، كانت هناك فترة من عدم النشاط في الشرق الأوسط، باستثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان وما تلا ذلك من طرد لقوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت. استغل الرئيس ريغان هذا الحدث لمخاطبة الأمة في 1 أيلول 1982 حول موضوع الضفة الغربية والفلسطينيين. وقال بوضوح أن "اتفاق كامب ديفيد يبقى الأساس لسياستنا"، كما تضمّن خطابه ما يلي: "سيحصل السكّان الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة على حكم ذاتي كامل لشؤونهم الخاصّة".
"سوف لن تدعم الولايات المتحدة استخدام أية أراضي إضافية لهدف بناء المستوطنات خلال المرحلة الانتقالية. في واقع الأمر، إن تبني إسرائيل الفوري لتجميد الاستيطان، أكثر من أي عمل آخر، يمكن أن يخلق الثقة المطلوبة لحصول مشاركة أوسع في هذه المحادثات. ليست هناك حاجة مُطلقاً إلى المزيد من النشاط الاستيطاني من أجل أمن إسرائيل، وهو يُضعف فقط ثقة العرب بإمكانية التفاوض الحر والعادل حول النتيجة النهائية". حصلت هناك مواجهة حادّة في عام 1991 بين حكومتي رئيس الوزراء اسحق شامير والرئيس جورج بوش فيما يتعلّق بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، مع تهديدات أمريكية بوقف المساعدات المالية إذا تواصلت النشاطات الاستيطانية. عُقد مؤتمر في تلك السنة بمدريد بمشاركة الولايات المتحدة، وسوريا ودول عربية أخرى وبعض الفلسطينيين الذين لم يمثّلوا رسمياً منظمة التحرير الفلسطينية. قال وزير الخارجية جيمس بيكر في مؤتمر صحافي بتاريخ 1 تشرين الثاني، "عندما تفاوضنا مع إسرائيل، كان ذلك على أساس الأرض مقابل السلام والانسحاب الكلّي من الأرض في مقابل علاقات سلمية. . . . هذا بالضبط هو موقفنا، ونرغب بأن يتم تطبيقه أيضاً على المفاوضات بين الإسرائيليين والسوريين، والإسرائيليين والفلسطينيين. نحن لم نغيّر موقفنا أبداً". عقد الوسطاء النرويجيون اتفاقاً في أيلول 1993 بين رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين وعرفات يُلزم الطرفين بعملية سلام على مراحل. ومع أن المسئولين الأمريكيين لم يُشاركوا في هذا الجهد، استضافت حكومتنا حفل التوقيع على اتفاقيات أوسلو في البيت الأبيض، وتم بناء محادثات السلام التي تلت ذلك على تلك الاتفاقيات واتفاقيات كامب ديفيد.
حتى اليوم، لم تنجح هذه الجهود، وفي هذه السنة ظهر العنف والعداء مجدداً بين الإسرائيليين والعرب بشكل لم يسبق له مثيل خلال أكثر من ربع قرن.
القضايا الرئيسية التي لم يتم حلّها تبقى كما هي: الحدود النهائية لدولة إسرائيل، العودة أو التعويض للفلسطينيين الذين أُبعدوا عن منازلهم ووضع القدس. يبدوا من المؤكّد أن الولايات المتحدة ستبدأ بجهود سلام جديدة، لكن من غير المرجّح تحقيق تقدّم حول أي من هذه القضايا طالما أصرّت إسرائيل على سياستها الاستيطانية غير الشرعية وفقاً للقوانين الدولية التي تدعمها الولايات المتحدة وكافة الدول الأخرى.
هناك الكثير من المسائل ونحن نواصل سعينا لإنهاء العنف في الشرق الأوسط، لكن لا يمكننا الهروب من مسألة أساسية هي: الأرض أو السلام؟
الرئيس السابق كارتر هو رئيس مركز كارتر في أتلانتا.